أسابيع قليلة وتدخل الحرب الإسرائيلية على غزّة عامها الثاني؛ إذا سارت الأمور على منوالها الحالي، ولم تُبذل جهودٌ جادّةٌ بغية التوصل إلى توافقات معقولة، من الواضح أنّها بعيدة المنال رغم الهدنة الخاصّة بتقديم لقاحات شلل الأطفال، نتيجة عدم وجود رغبة لدى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، واختلاقه الأعذار بصورة مستمرّة، فهو يفاوض بناءً على خطّة واضحة المعالم والأغراض بالنسبة إليه؛ كما أنّه على دراية بوجود تغطية أميركية له، رغم تباين التقديرات والتصريحات، على عكس حركة حماس، التي تدرك أنّها لا تمتلك الدعم الدولي الذي تمتلكه إسرائيل.
من الواضح أنّ الموقف الأميركي، رغم تصريحات المسؤولين الأميركيين في أعلى المستويات، الداعية إلى وضع حدّ للحرب، وإطلاق سراح المُحتجَزين من الجانبَين، واعتماد حلّ الدولتَين، موقف غير ضاغط بما يكفي على إسرائيل، ولعلّ هذا ما يُفسِّر تأكيدات المسؤولين المعنيين أنفسهم بالتزامهم بحماية إسرائيل، وضمان أمنها في جميع الظروف، وهو الأمر الذي نتلمّسه في أرض الواقع إظهاراً للقوّة بشكل غير مسبوق، ويشمل ذلك حاملات الطائرات والبوارج القتالية، والصواريخ الاستراتيجية، وأحدث التقنيات العسكرية، إلى جانب الزيارات المكّوكيّة للمسؤولين السياسيين والعسكريين الأميركيين. وعلى الأكثر، لن تكون زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي سي كيو براون آخر تلك الزيارات في هذا المجال.
ورغم اتّخاذ بعض الخطوات التي أعطت انطباعاً إيجابياً على المستوى الإقليمي، من جهة تجاوز الخلافات، أو إرجائها على الأقلّ بغية الاستعداد لمواجهة التحدّيات القادمة، التي من الواضح أنّها ستشمل صياغة معادلات جديدة للمنطقة بتوافق بين الدول الكبرى المُؤثّرة، التي رسمت الحدود بين الدول المُستحدَثة في منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى، وهي القوى التي ما زالت مُؤثّرةً في إقليمنا وفي المستوى العالمي. ويبدو أنّ الروس لن يكونوا بعيدين، رغم حربهم على أوكرانيا وصراعهم مع الغرب هناك، عمّا يحصل، بل سيكون لهم دور متَّفق عليه مع الجانبَين الأميركي والإسرائيلي.
والغريب اللافت، الذي كُتِب عنه كثيرٌ، غياب المشروع العربي، الأمر الذي فتح (ويفتح) المجالَ أمام القوى الإقليمية والدولية، التي ما زالت منتشية بماضيها الإمبراطوري، أو الراغبة في إنشاء إمبراطوريات غير تقليدية تنسجم مع مستوى التطور وطبيعة التحدّيات في عصر الذكاء الاصطناعي. وملاحظ أنّ أصحاب هذه المشاريع يتشاركون مساعيهم الرامية إلى التعامل مع الدول العربية بوصفها مُجرَّد ساحاتٍ أو ميادين تمكّنهم من التمدّد، والسيطرة بالتعاون مع القوى المحلّية، التي وصلت إلى حدّ التفاخر بالتبعية، بل والاستقواء بالمتبوع لتهديد الشريك في الوطن والمصير.
لن تقتصر نتائج الحرب الإسرائيلية على غزّة أو على فلسطين وحدها، بل ستشمل المنطقة بأسرها.