في القرن السادس قبل الميلاد، كتب «إيسوب» كتابه الماتع «خرافات»، وكان مما جاء فيه، أن بخيلا باع كل ممتلكاته، وحول كل الذهب الذي تقاضاه إلى كتلة ذهبية كبيرة كي يضمن بقاءها أمام ناظريه.خبأ هذه الكتلة في حفرة في الأرض، وراح يزورها كل يوم ليطمئن عليها!لاحظ أحد عماله ذهابه المتكرر إلى تلك الناحية، فراقبه، وعندما كشف سره، انتظر عودته، وذهب إلى الحفرة، وأخذ كتلة الذهب لنفسه!عندما عاد البخيل، ورأى الحفرة فارغة، بكى وانتحب ومزق شعره!ولكن جارا له قال: توقف عن تعذيب نفسك، وضع حجرا في تلك الحفرة، وفكر أنها تلك الكتلة الذهبية، فبما أنك لم تكن تقصد أن تستخدمها، فإن أي واحدة من الكتلتين ستفي بالغرض!إن لم يكن من عقاب للبخيل غير أنه يعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب حساب الأغنياء لكفاه!قرأت أقوالا كثيرة عن البخل والبخلاء، فما أعجبني أكثر من قول المنفلوطي: البخلاء جمال عطشانة، والمياه محملة على ظهرها!ولا شك أن المعنى الذي أورده المنفلوطي قد استقاه من قول طرفة بن العبد في معلقته:وأمر ما لقيت من ألم الهوىقرب الحبيب وما إليه وصول كالعيس في البيداء يقتلها الظماوالماء فوق ظهورها محمول إلا أن الحق يقال أن المنفلوطي قد أجاد التضمين!برأيي أن البخل ليس ثقافة، ولا طريقة عيش نابعة من فلسفة، أو وجهة نظر، بقدر ما هو مرض!وهذا المرض يقلب الأشياء في الحياة، إنه يحول المال من وسيلة إلى غاية، ومن خادم إلى سيد!إنه مرض أعتى من الأنانية، فالأناني يحرم غيره ليستأثر هو، أما البخيل فيحرم نفسه قبل الآخرين، تجده لا يفارق الدرهم أو الدينار إلا وفارقت بعض روحه جسده، فكان الله في عون من ابتلي ببخيل يعوله، فإنه الموت قبل الموت!استمعت مرة أثناء ممارسة رياضة المشي إلى محاضرة للشيخ سعد العتيق وقد قال فيها قولا طربت له أيما طرب، قال: لكل من لديه ابنة أو بنات، لا تزوج ابنتك لبخيل ولو كان يقوم الليل كله، ولو كان يصوم النهار كله، فإنك إن زوجتها لبخيل فإنك تدخلها النار قبل النار، ولا تسألوا عن دين الرجل دون أن تسألوا عن خلقه!وليس بعد هذه النصيحة من كلام يقال!