يشيع بين الناس في مختلف البلدان الإسلامية قولهم: «الدين معاملة». البعض منهم يعتبره حديثاً، وآخرون يعدونه واحداً من الأقوال المأثورة بحجة أن المصادر لم تذكره كحديث. بكافة الأحوال إن هذه العبارة تدل على مدى أهمية الأخلاق في ديننا الإسلامي الحنيف، وهو أمر تؤكده أحاديث النبي محمد ﷺ، كمثل قوله صلوات الله وسلامه عليه: «ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثاً أو مرتين، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: (أحسنكم خلقاً)».
من هذا المنطلق، فالمسلم الحقيقي يأسر القلوب بتعامله الإنساني الراقي وبخلقه الرفيع ولسانه الطيب وصدقه مع الآخرين سواء في تعاملاته الشخصية أو المهنية. وهو الذي يحسن الظنَّ بالناس ويلتمس لهم الأعذار، ويتقبل الآخر بصرف النظر عن أفكاره وعاداته ومعتقداته، فتراه مثالاً يحتذى به في الأخلاق والاحترام، لا تصدر عنه كلمة جارحة، ولا يطلق أحكاماً مطلقة جائرة على إنسان حتى لو خالفه الرأي والمعتقد والتوجه.
في هذا الزمن الصعب، ستجد الكثير من المساجد والقليل من المؤمنين الحقيقيين، وهذا ليس كلاماً أقوله من تلقاء ذاتي، بل سمعته على لسان كثير من العلماء والصالحين الذين تطلعوا إلى واقع الأمة الإسلامية اليوم، فرأوا كيف تأخرنا عن ركب الحضارات، وأصبحت معظم دولنا لقمة سائغة بين براثن دول استعمارية لا همّ لها سوى استغلال ثروات بلداننا، وتنفيذ أجنداتها الخبيثة في المنطقة العربية.
وهنا دعني أستوقفك قليلاً عزيزي القارئ، حتى لا تخرج بعد قراءة هذا المقال بفيض من الكراهية والمشاعر السلبية تجاه الأمم الغربية وكل من يخالفك المعتقد. في الماضي القريب كان الإيمان أشد عمقاً في نفوس الناس مما جعل دائرة التشدد والتعصب الديني والعرقي في نطاق أضيق بكثير من أيامنا هذه، التي انتشر فيها الانحلال الأخلاقي وكراهية الآخر طالما أنه خالفنا معتقداتنا وهذا ليس من الدين في شيء. فإن لم يغمر الحب قلبك تجاه أقرانك من البشر، فإنك لم تدرك جوهر الدين بعد حتى لو كنت تؤدي الفروض الدينية على أكمل وجه. وإذا لم يتجسد الإيمان في تعاملاتك المهنية والشخصية كل يوم فما يزال الطريق أمامك طويلاً حتى تدرك حلاوته، وتقطف ثماره اليانعة لتحيا بسلام روحي وسعادة داخلية.
هناك فرق شاسع بين حكام بعض الدول الغربية وشعوبها. في الوقت الذي قد نشهد فيه استغلالاً من حكومات أجنبية تريد تفرقتنا ووضع أياديها على خيرات بلادنا؛ فإن قسماً كبيراً من شعوب تلك الدول يدعم قضايانا، ويندد بالممارسات اللاإنسانية تجاه أراضينا وشعوب منطقتنا العربية والإسلامية. لهذا أريدك أن تخرج بعد قراءة هذا المقال مدركاً أن الخير موجود في كل مكان حول العالم وداخل كل إنسان مهما كان دينه أو جنسيته أو انتماءاته. وعلى هذا الأساس ينبغي أن تحترم الجميع، وتدعو للدين بالكلمة الحسنة، وتظهر روعة الإسلام من خلال تقبل الآخرين، واحترام المعتقدات الشخصية لأي إنسان حتى لو خالفت ما تؤمن به.
الدين هو المعاملة، ولا يكتمل إيمان أو يقوم أساساً إلا إذا انعكست تعاليمه الأخلاقية النبيلة على تعاملاتنا مع جميع إخواننا في الإنسانية. فلا تبحث عن أخلاق الرجال في المساجد وميادين العبادة، بل ابحث عنها عند البيع والشراء، وعند تقاطع الحقوق وتوزيع الميراث. راقبها في سفر ومجاورة منزل ومصاهرة، وعند النزاعات والخصومات التي تفضح متصنعي الأخلاق وتكشف الستار وتُسقط الأقنعة. اكتشفها عند الدخول في نقاش مع شخص يخالفنا الرأي والمعتقد؛ لأنك عندها ستعرف المؤمن الحقيقي الذي يناقش بمحبة مستخدماً الحجة والدليل، وبين من يدعي الإيمان فيسخر ويهين كل من يخالفه، ويدعو إلى تعذيب أو قتل أي شخص يبدي رأياً يعاكس ما يؤمن به.
لا غنى لنا عن أداء الفروض الدينية الواجبة لأنها دعامة من دعامات الدين الأساسية. لكن أن تكون مؤمناً حقيقياً لا يعني أن تقتصر على أداء فروض العبادة فقط، بل أن تعمل بما يرضي الله تعالى، وأن تكون مشكاة تنير الدرب أمام الآخرين، ويداً ترشد من يضل السبيل إلى طريق الحق، وصديقاً محباً للإنسانية جمعاء، ومحاوراً نبيلاً لا يهمه أن يخرج من النقاش منتصراً، بل همه الأول والأخير هو أن يطرح حجة منطقية ويترك كلمة رقيقة قد تترك أثراً جميلاً في القلوب ولو بعد حين.