تحت عنوان «العمل معًا لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني- أفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك للبشرية»، عقد في العاصمة الصينية (بكين) المنتدى الصيني الأفريقي للتعاون الذي يعد حدثا سياسيا مهما للصين وأفريقيا الواعدة التي أصبحت تحت أنظار روسيا والصين.
فتاريخ العلاقات بين الصين وأفريقيا يسير في طريق الشراكة والتعاون المستدام، وفق رؤية صينية واضحة واتفاق صريح مع الحكومات الأفريقية؛ لتصحيح المسار ومناهضة الإمبريالية والاستعمار وفتح الأسواق للصين للدخول بقوة للقارة خاصة وأن العلاقات بين الجانبين تنمو وتزدهر بقوة، منذ بدء العلاقات في مؤتمر باندونج عام 1955 عندما تصافح الزعماء الصينيون والأفارقة لأول مرة، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التعاون لكلا الجانبين.
وكلنا يعلم أنه في عام 1956، أقامت جمهورية مصر العربية العلاقات الدبلوماسية مع الصين كأول دولة أفريقية، ومنذ ذلك الحين، بدأت الدول الأفريقية والصين بفتح سفارات وقنصليات معلنة مرحلة جديدة من التعاون الوثيق المبني على الشفافية والمصداقية بين الصين والقارة السمراء.
واليوم، نجد الشركات الصينية ومنتجاتها أصبحت متاحة في الأسواق الأفريقية والعربية مما زاد في توثيق العلاقات بينهما في مجالات عديدة منها الاستثمار والتجارة التي أصبحت شريانا مهما، وممتدا من بكين مرورا بالخرطوم إلى الرباط بشكل قوي وملموس للعالم.
فالصين دولة كبرى وفي القرن الحالي، وقّعت 52 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي وثائق تعاون بشأن البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» مع الحكومة الصينية التي بدأت رؤيتها لاستعادة مكانتها المعهودة لطريق الحرير، وتعد أفريقيا أول قارة ترحب وتدعم مبادرات التنمية العالمية، وقد انضمت 33 دولة إلى مجموعة أصدقاء المبادرة، وهو ما يمثل أكثر من 40% منهم، وهي البداية الحقيقية للشراكة بين الصين ودول العالم لبناء عالم مستقر وآمن من كافة النواحي.
وبالأمس وخلال المنتدى، عقدت عدة اجتماعات مهمة بين الصين والدول الأفريقية لمناقشة خريطة طريق لأفريقيا الجديدة دون استعمار واستغلال، بل دعم أفريقيا بكافة المشاريع التي ترغب بتحقيقها مثل التصنيع والتحديث الزراعي والأمن والغذاء مع زيادة الثقة السياسية المتبادلة من خلال تنسيق المواقف والسياسات للتوصل إلى التوافقات تجاه القضايا الإقليمية والتحديات العالمية، ودعم الدول النامية في أفريقيا لتعتمد على نفسها والاعلان عن إجراءات وتدابير جديدة للتعاون مع القارة السمراء التي تعد سوقا كبيرا للمنتجات الصينية والعالمية.
فالقارة السمراء تعد منطقة واعدة للاستثمار في إطار الحزام والطريق وان اهتمام الصين بهذه القارة واقعي لتنفيذ مبادرات تجارية واستثمارية فيها، واليوم يسعى الجانبان الصيني والأفريقي إلى تحقيق التنمية والشراكة الحقيقية بينهم، وكتابة فصل جديد من العلاقات المشتركة الواقعية بينهما وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار..!
فالقمة الرابعة للتعاون الصيني الأفريقي أو منتدى (فوكاك)، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينج ورؤساء دول وحكومات 54 دولة أفريقية، فضلا عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمين العام للأمم المتحدة، خصصت لتعزيز العلاقات الثنائية وضخ مزيد من الزخم والطاقة الإيجابية في العلاقات الصينية الأفريقية في الفترة القادمة، فالأرقام والحقائق هي المؤشر الأساسي في حجم العلاقات بين الصين وأفريقيا والتي شهدت توسعا في حجم ونوعية التجارة بينهما نحو حوالي 282 مليار دولار أميركي.
وحقيقة القارة الأفريقية ستستفيد من التجربة الصينية الفريدة والمتميزة في عدة جوانب منها القضاء على الفقر، حيث نفذت الصين الكثير من المشاريع الزراعية والصناعية والاستزراع السمكي وغيرها من المشاريع التي لا تعد ولا تحصى للقارة السمراء.
فالمنتدى الذي احتفل هذه السنة بالذكرى 24 لتأسيسه، باعتباره «شراكة متميزة» بين الصين والقارة الأفريقية، قائمة على المبادئ الأساسية للتضامن، والتعاون، واحترام سيادة الدول ووحدتها يعد فرصة سانحة لكلا الطرفين من أجل تعميق شراكة تعود لأكثر من عقديْن من الزمان، ومن يدعي أن الصين تقوم بالاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في أفريقيا لمصلحتها، فهذا ليس من الحقيقة في شيء، فالصين تعمل على تنمية مستدامة حقيقية للقارة الأفريقية من خلال القروض والمشاريع التي تقدمها لهم فطريق الحرير البري وطريق التوابل البحري شريانان أساسيان للتواصل بين الحضارتين الشرقية والغربية وهما طريق للتنمية المتكاملة والمساهمة بقوة في مسيرة التحديث العالمية التي طرأت بعد أحداث السابع من اكتوبر وحرب غزة... واليوم نرى أن مسار الاصلاح بين الصين والقارة السمراء يسير في الطريق الصحيح وليس طريق الاستغلال كما يدعي الآخرون.. والله من وراء القصد.