مثّل تعيين السيد «ميشال بارنييه» في منصب رئيس الحكومة الفرنسية من قبل الرئيس «ماكرون» مفاجأة في الأوساط السياسية الفرنسية وخاصة في معسكر الاشتراكيين واليسار عموما. بل إن التسريبات الأخيرة في فرنسا قد كشفت عن لقاءات سرية بين ماكرون وزعيمة أقصى اليمين «مارين لوبان» والاتفاق على اختيار السيد برنييه لرئاسة الحكومة من أجل قطع الطريق على مرشحة اليسار السيدة «لوسي كاستيه» التي رشحتها الجبهة الشعبية الجديدة.
يتذرع اليمين الحاكم بأن الجبهة الشعبية بقيادة «ميلانشون» لم تحصد الأغلبية الكاسحة التي تخول لها المطالبة بتشكيل الحكومة فعدد 193 نائبا لا يشكل أغلبية رغم تقدمه على أحزاب اليمين وخاصة حزب الرئيس ماكرون وعلى اليمين المتطرف بقيادة «مارين لوبان». هذا التوزيع سيخلق داخل البرلمان حالة عميقة من الانقسام ولن يكون في صالح ما تحتاجه فرنسا من قوانين وإجراءات عاجلة لمواجهة الأزمات الاجتماعية القادمة وحجم الدين الخارجي الذي بلغ مراتب قياسية.
الوزير الأول الجديد تقلّد مناصب عديدة منذ الرئيس الاشتراكي السابق «فرنسوا ميتران» الذي كان وزير البيئة في حكومته من 1993 إلى 1995 ثم وزيرا للشؤون الأوروبية مع الرئيس اليميني شيراك من 1995 إلى 1997 ثم وزيرا للخارجية سنة 2005 مع نفس الرئيس. كما شغل منصب وزير الفلاحة مع الرئيس ساركوزي من 2007 إلى 2009 فضلا عن مناصب عديدة في مجلس النواب والهيئات الأوروبية.
يُحسب السيد بارنييه على البورجوازية اليمينية وهو ما يؤكد أن المسار الفرنسي الذي رسمه الرئيس ماكرون الحامي لكبار رؤوس الأموال سيبقى متواصلا داخل الحكومة خاصة إذا نجحت كتل اليمين المختلفة في التوحد داخل البرلمان لمواجهة الكتلة الاشتراكية. هذا التكتل اليميني هو الذي سيمكّن الحكومة من تمرير القوانين من جهة ومن منع كتلة اليسار من تحقيق الوعود الانتخابية التي قطعتها أمام ناخبيها مثل مراجعة سن التقاعد والضريبة على الثروة وغيرها من الوعود الانتخابية.
لن تكون هذه السنة سنة هادئة للمناخ السياسي الفرنسي داخليا بل ستكون بامتياز سنة التصعيد الاجتماعي ضد سياسات اليمين التي عمقت أزمة الدين الداخلي والخارجي ودمّرت الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة ونظام التقاعد. من جهة ثانية تشير التقارير الأوروبية إلى أن بروكسل تنظر بعين القلق لتصاعد حجم الدين الفرنسي وتطالب منذ سنوات بإعادة جدولة الديون والمصاريف وهو ما سيشكل ضغطا إضافيا على الرئاسة والحكومة الواقعة بين سندان الشارع والبرلمان ومطرقة الاتحاد الأوروبي وهيئاته الرقابية.