توالت هذا الأسبوع تهديدات قيادات إسرائيلية باحتمال شن حرب على لبنان، ولوحظ تصعيد في حدة الوعيد بالاجتياح البري. وفي زيارة له لقيادة المنطقة الشمالية، تحدث وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال احتياط يوآف غالانت، بشكل صريح عن الحرب قائلا: «لقد أنهينا تدريب كل التشكيلات العسكرية نحو عملية برية في لبنان»، وتبعه رئيس الأركان الجنرال هرتسي هليفي: «الجيش بجهوزية عالية والخطط العملياتية مُعدّة، ومستعد لتنفيذ أي مهمة تُطلب منه». وسرّبت قيادات الجيش للصحافة شعورها بالإحباط من إحجام القيادة السياسية (والقصد نتانياهو) عن حسم الخيارات مؤكّدة أنّ «لا قرار إلى الآن كيف ومتى في الشمال».

وبالمجمل تتزايد شدّة ووتيرة الدعوة لشن الحرب على لبنان، وتتراجع الأصوات الحاثّة على الامتناع عنها في هذه المرحلة. هذا لا يعني أن القرار قد اتخذ، لكن الحسم به قريب كما يبدو، خاصة بعد انقشاع جزء كبير من الضباب، الذي عطّله.

هناك بالطبع بون شاسع بين التهديد بشن الحرب وشنّها فعلا. وليس واضحا إلى الآن لماذا يطلق مسؤولون إسرائيليون تهديدات الحرب بهذه الكثافة. لربما يكون مصدرها الصراع القائم بين القيادة العسكرية ومعها وزير الأمن غالانت، والقيادة السياسية المتمثّلة بشخص بنيامين نتانياهو. العسكر يعلنون ليل نهار أن الجيش جاهز للحرب، ونتانياهو قليل الكلام حول هذا الموضوع، إلى درجة أنه لم يدرج الملف اللبناني ضمن أهداف الحرب المقرّة رسميا.

من جهة أخرى تتزايد التهديدات وترتفع حدة التصريحات والتسريبات تبعا لمفاوضات الهدنة المؤقّتة في غزة، والهدف منها، كما يقولون، الضغط على حماس لتقبل بالشروط الإسرائيلية.

من الواضح أن حزب الله غير معني بحرب شاملة، ويرى أن دوره في هذه المرحلة هو مواصلة فتح جبهة الإسناد، التي يحرص على إبقائها مشتعلة، ما لم تتوقف حرب الإبادة في غزة.

أمّا إسرائيل فهي تعلن على لسان نخبها الأمنية والسياسية كافة أنها ستشن حربا على لبنان، عاجلا أم آجلا. وحتى الذين يعارضون الحرب الآن، يرون أنه ينبغي التخطيط لها جيّدا، والمبادرة إليها لاحقا في الموعد المناسب، ولاحقا هذه تعني بضع سنين. وفي هذا السياق، ما زال النقاش في الدولة الصهيونية بشأن الحرب ومصير «النازحين الإسرائيليين» عن المستوطنات الحدودية في الجليل الأعلى، على أشّده، ويبدو أن هناك إجماعا لصالح شن الحرب في الشارع الإسرائيلي ولدى النخب والقيادات المختلفة، لكن الأمر لم يحسم بعد. لقد حصلت تغييرات وازنة في الظروف المحيطة والمؤثّرة على اتخاذ القرار الحربي، وسأحاول هنا باختصار استعراض «الشروط اللازمة لشن الحرب على لبنان» وما طرأ عليها من تغيّرات في الأشهر الأخيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لكل شرط وزنه الخاص يرتفع وينخفض تبعا لتحوّلات السياق:

توفّر الذخيرة والأسلحة: قبل أشهر عارض الكثيرون في إسرائيل الحرب على لبنان بسبب النقص في الذخائر والأسلحة. لقد تغيّر هذا الواقع مؤخّرا وامتلأت مخازن الجيش الإسرائيلي بالعدة والعتاد والسلاح.

الشرعية الدولية: ما زالت الولايات المتحدة تعارض شن الحرب، وتبحث عن مخرج سياسي – دبلوماسي، وهي تعتقد بأن هدنة في غزة ستؤدّي إلى وقف إطلاق النار على خط الحدود اللبنانية وشمال فلسطين، وتفتح الباب أمام وساطة للتوصل إلى حل.

الشرعية الداخلية: اشتدت ضغوط النازحين عن مستعمرات الشمال لإيجاد حل يعيدهم مطمئنين إلى بيوتهم، وتزايدت تبعا لذلك المطالبة «الجماهيرية» بشن حرب على لبنان.

العامل الاقتصادي: الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل في تدهور مستمر وجميع مؤشّراتها باتجاه السلب، وتكلفة حرب الإبادة على غزة تصل إلى ما يقارب 70 مليار دولار ومرشّحة للزيادة، والمساعدة الأميركية الإضافية بمبلغ 14 مليار دولار، لن تنشل الاقتصاد الإسرائيلي من ورطته. هناك من يقول إن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتحمل حربا على لبنان ستزيد الطين بلة وتكلفتها ستكون أعلى بكثير من الحرب على غزة.

جهوزية الجيش الإسرائيلي: من جهة تقليل عدد القوات الإسرائيلية في غزة، وجرى نقل قسم كبير منها إلى الشمال. من جهة أخرى قسم كبير من القوات النظامية وجنود الاحتياط، في حالة من الإعياء والإنهاك والتعب. ومن جهة ثالثة يجري تحضير قوات كبيرة لاجتياح لبنان. المهم أن القيادة العسكرية تعتقد أن لديها ما يكفي من القوّات الجاهزة للحرب، وهذا يساهم في قرار الذهاب إلى الحرب.

انسداد الباب السياسي: تعلن القيادة الإسرائيلية أنها ستذهب إلى الخيار العسكري في حال فشل الحل السياسي. لكنّها في المقابل أعدّت خطة بديلة لإعادة المستوطنين وتشمل مساعدات سخية وإعادة بناء ما تهدم وخطة أمنية دفاعية محكمة. والمرجّح أن تذهب إسرائيل إلى خيار الحرب في حال فشل الحل السياسي، لأن المستوطنين، كما يرشح من كلامهم، لن يقتنعوا بالخطة البديلة.

الخشية من العاصفة التامة: هذا هو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على حرب إقليمية شاملة على كل الجبهات. إسرائيل تخشى التورّط في مثل هذه الحرب دون أن تكون مستعدة لها سلفا بدعم أميركي وإقليمي كبير، هذا العامل يجعل إسرائيل أكثر حذرا في قرار الحرب.

عنصر المفاجأة: في الظرف الحالي فقدت إسرائيل عنصر المفاجأة في شن حرب على حزب الله. وعليه يدعو بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين، إلى تأجيل شن الحرب إلى موعد تختاره إسرائيل ويضمن لها عنصر المفاجأة المهم في أي حرب.

بالمجمل، زادت احتمالات شن حرب عدوانية إسرائيلية على لبنان، لكن يبدو أن القرار لم يحسم، وهناك عوامل قويّة جدا ضده، بالأخص أن القيادة الإسرائيلية واعية إلى حجم الدمار الذي ستخلّفه الحرب، والثمن الباهظ الذي ستدفعه الدولة الصهيونية إن هي قررت خوض مغامرة غير محسوبة.عربي 21