بروكسل 14- د. ب. أ- تثير الدول الأوروبية مخاوف على نحو متزايد إزاء الاستخدام المفرط لأجهزة الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من أشكال التواصل الرقمي بين الشباب، وسط تحركات لحظر استخدام الهواتف الخلوية في المدارس، أو فرض قيود عليها. وأبرزت دراسات حديثة صلات تنذر بالخطر بين الإفراط في قضاء الوقت أمام شاشات الموبايل، وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الصحة العقلية والأداء الأكاديمي للأطفال والشباب.

وعلى سبيل المثال، أوصت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باستخدام الهواتف الخلوية في المدارس بشكل محدود، يتسم بالمسؤولية. وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب انتخابها لولاية ثانية بالمنصب في شهر تموز/‏ يوليو الماضي، بعلاج مشكلة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، والتنمر عبر الإنترنت (البلطجة الإلكترونية)، في إشارة إلى مخاوف واسعة النطاق بشأن التداعيات السلبية على الصحة والسلامة العقلية.

وقالت فون دير لاين: «نشهد المزيد والمزيد من التقارير حول ما يطلق عليه البعض /‏أزمة الصحة العقلية/‏... سنجري أول تحقيق على الإطلاق على مستوى أوروبا حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلامة الشباب.. ندين لهم بذلك. وعن التنمر عبر الإنترنت، قالت فون دير لاين: «ينزف قلبي دما عندما أقرأ عن شباب يؤذون أنفسهم، أو ينهون حياتهم بسبب الإساءة عبر الإنترنت».

إخفاء أجهزة المحمول بعيدا عن الأنظار

وبينما صار الاتحاد الأوروبي يدرك على نحو متزايد، التداعيات السلبية الناجمة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الهاتف المحمول بين الشباب، لا توجد قواعد على مستوى التكتل لمواجهة هذه القضايا. وبدلا من ذلك، تختلف القواعد من بلد لآخر. وتبحث دول أوروبية، أو نفذت بالفعل، فرض حظر على استخدام الهواتف المحمولة في المدارس أو فرض قيود عليها خلال ساعات الدراسة. وفرضت المدارس في أنحاء هولندا حظرا تاما على استخدام الهواتف المحمولة.

وجرى حظر الهواتف المحمولة داخل الفصول الدراسية بالمدارس الثانوية في هولندا منذ بداية 2024 وتم توسيع نطاق الإجراء لاحقا ليشمل المدارس الابتدائية منذ بداية العام الدراسي الجديد في أيلول/‏سبتمبر الجاري.

وربما لا يزال من الممكن استخدام الهواتف المحمولة داخل الفصول الدراسية حال كان ذلك ضروريا بالنسبة لدرس معين مثل تعلم مهارات التواصل، أو إذا كان التلاميذ بحاجة إليها لأسباب طبية، أو بسبب إعاقة ما. وفي فرنسا، يجرى حاليا تنفيذ خطة تجريبية لحظر استخدام الهواتف المحمولة خلال كامل اليوم الدراسي، وذلك في 180 مدرسة متوسطة يلتحق بها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و15 سنة. ويتم تنفيذ تجربة ما يسمى بـ «توقف رقمي مؤقت»، على أكثر من 50 ألف تلميذ، وذلك قبل خطة محتملة لتطبيقه على مستوى البلاد بداية من 2025. ويتعين على تلاميذ المدارس المتوسطة في فرنسا حاليا إغلاق هواتفهم. وتذهب التجربة إلى أبعد من ذلك، إذ تتطلب من الأطفال تسليم أجهزة الهواتف الخاصة بهم لدى وصولهم إلى مدارسهم.

يشار إلى أن هذا جزء من تحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقليص الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام شاشات الهواتف، حيث تخشى الحكومة من أنه يعوق نموهم.

أما في بلجيكا، فسوف يتم حظر الهواتف المحمولة داخل الفصول الدراسية في مئات المدارس الفرنسية بالعاصمة بروكسل، وأيضا في منطقة والونيا الناطقة بالفرنسية في جنوب بلجيكا، اعتبارا من العام الدراسي الحالي.

وأعلنت الحكومة الجديدة في والونيا عن هذه الخطط خلال فصل الصيف.

وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد في منطقة فلاندرز الناطقة بالهولندية، حظر عام على استخدام الهواتف في المدارس، ولكن بعض المدارس فرضت حظرا من تلقاء نفسها.

وفي اليونان، مطلوب من الطلاب الاحتفاظ بهواتفهم المحمولة في حقائبهم المدرسية أثناء الدروس. ويحظر إخراجها واستخدامها على الملأ، حتى أثناء الاستراحة بين الدروس، ومن يخالف ذلك يتعرض لعدم حضور الدروس لمدة يوم واحد.

ولم يستبعد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الأسبوع الماضي احتمال إرغام الطلاب على حفظ هواتفهم المحمولة في مكان مغلق، ثم الحصول عليها بعد انتهاء اليوم الدراسي. وفي إيطاليا، يحظر استخدام الهواتف المحمولة داخل فصول الدراسة بداية من العام الدراسي الحالي، بمقتضى مرسوم أصدرته الحكومة اليمينية بقيادة رئيسة الوزراء جورجا ميلوني في تموز/‏ يوليو الماضي. وفي العديد من المناطق في إسبانيا، جرى بشكل فعلي فرض حظر وقيود على استخدام الهواتف المحمولة في المدارس، مثل مدريد وجاليسيا وكاستيا لا مانشا (قشتالة) والأندلس وإكستريمادورا.

ووافق مجلس المدارس الحكومية في إسبانيا- أعلى هيئة استشارية حكومية في مجال التعليم ـ بالإجماع في شهر كانون الثاني/‏يناير الماضي على عدم استخدام الهواتف الخلوية في المرحلة الابتدائية، كما وافق على فرض قيود في المرحلة الثانوية.

وفي المدارس الابتدائية والثانوية بسلوفينيا، يرجع الأمر لكل مدرسة، على نحو منفصل، في فرض قيود على استخدام الأجهزة المحمولة. وتختلف القواعد الداخلية من مدرسة لأخرى، وقد فرض عدد قليل منها حظرا على استخدامها، بشكل كامل.

ووفقا لخبراء، فإن وضع مبادئ توجيهية في كل دولة يمثل الخطوة الأولى باتجاه الحد من استخدام الهواتف المحنولة.

ورغم عدم توفر قواعد عامة موحدة في كرواتيا، قررت بعض المدارس حظر استخدام الطلاب للهواتف المحمولة طوال فترة وجودهم بالمدرسة.

ويشمل ذلك المدارس في العديد من مدن كرواتيا، وزغرب وسبليت ورييكا وأوسييك وزادار. كما فرضت مدرسة في سبليت حظرا على إحضار الهاتف المحمول للمدرسة، بدعوى أن الحظر البسيط على استخدامها ليس كافيا.