استضافت دولة قطر النسخة الأولى من المؤتمر السنوي الأول لتفعيل العمل الخليجي المشترك في مجال لجنة محافظي البنوك المركزية بدول المجلس بعنوان "تأثير سياسة سعر الصرف والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي على الاستقرار المالي والنقدي في دول مجلس التعاون الخليجي"، حيث شهد المؤتمر جلسة نقاشية شارك فيها سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي وسعادة السيد أيمن بن محمد السياري، محافظ البنك المركزي السعودي وسعادة طاهر بن سالم العمري، الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني وسعادة السيد خالد إبراهيم حميدان، محافظ مصرف البحرين المركزي.

وفي مستهل الجلسة الأولى أوضح سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي أنّ "كل دولة تتخذ سياسة معينة تخص عملتها الوطنية، حيث تشكل أساس اقتصاد كل دولة، لذلك فإنّ لكل دولة طبيعتها الاقتصادية الخاصة التي تحدد سياسة الصرف المنتهجة، وأنّ مُعظم دول الخليج انتهجت سياسة سعر الصرف الثابت حيث أثبتت نجاحها، وهو ما تعكسه الفوائد المحققة، حيث أدت إلى الاستقرار المالي والنقدي، إنّ اتباع هذه السياسة جذب رؤوس الأموال الأجنبية وحافظ على رؤوس الأموال المحلية، وخفف من حدةِ تقلبات أسعار المواد المستوردة ومن التضخم إلى جانب تقليل تكلفة المشاريع الكبرى".

وأكد سعادته أنه بالنظر إلى ما تحقق من فوائد عديدة بفضل سياسة الصرف الحالية، ومقارنتها بالتحديات المتمثلة في عدم استقلالية السياسة النقدية، نجد أنّ الفوائد أكبر بكثير من التحديات التي يمكن مواجهتها، وأنّ اقتصادات المنطقة تحتاج إلى نقل المعرفة فيما يخص الإنشاءات والتكنولوجيا، وكل هذه الأمور تحتاج إلى سياسات تساهم في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، وتجذب رؤوس الأموال إلى دول المنطقة، وقد ساهمت سياسة سعر الصرف الحالية في جذب الاستثمارات وتحقيق التنوع الاقتصادي كما حدّ تثبيت سعر الصرف من تقلبات العملة والمخاطر المصاحبة لذلك.

وأوضح سعادته أنّ اتخاذ سياسة سعر صرف محددة يكون بعد دراسة معمقة للهيكل الاقتصادي للدول ولبنيته التحتية مع تقييم الفوائد التي ستجنيها هذه السياسة، وبالتالي بعد الاطلاع على كل هذه المعطيات اتضح أنّ سياسة سعر الصرف الثابت هي الأنجح لدول الخليج، مشددًا على أنّ تبني سياسة سعر صرف أخرى يحتاج إلى تغيير في الهيكل الاقتصادي وهو ما يتطلب سنوات وعقودًا ولا يحدث بين يوم وليلة، منوهًا إلى إشادة صندوق النقد الدولي، بنجاح سياسة الصرف الحالية.

كما تطرق سعادته إلى نجاح دول الخليج في المحافظة على تضخم معتدل، وأنّ دول العالم شهدت على امتداد العامين الماضيين ارتفاع التضخم حيث وصل إلى 9% و10% بينما كان على مستوى دول الخليج في حدود 5% و6%، مؤكدًا على نجاعة السياسة النقدية المتبعة في تخفيض مستويات التضخم.

ومن جانبه قال سعادة السيد أيمن بن محمد السياري محافظ البنك المركزي السعودي إن السياسة النقدية تُعد من السياسات الاقتصادية المهمة التي تُعنى بالحفاظ على الاستقرار النقدي ويعتمد مستهدفها على الهيكل الاقتصادي وخصائصه.

كما أشار إلى الدور الذي تمارسه سياسة سعر الصرف الثابت والاستقرار النقدي في دعم التنوع الاقتصادي، من خلال مساهمتها في دعم القدرة على التخطيط المالي ورسم سياسات اقتصادية على المدى الطويل، مما يدعم اتخاذ القرارات الاستثمارية المناسبة ويرفع جاذبية الاقتصاد للاستثمار الأجنبي. بالإضافة إلى دعم القطاعات الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على استيراد السلع الوسيطة والرأسمالية والتي تُعد مدخلات مهمة في العملية الإنتاجية للاقتصاد.

وأوضح أن الحفاظ على الاستقرار النقدي خلال العقود الماضية عزز من مصداقية البنوك المركزية الخليجية، وانعكس ذلك في القدرة على الحفاظ على هوامش أسعار فائدة منخفضة مقارنة بالعديد من الأسواق الناشئة الأخرى. ونوه إلى أن البنوك المركزية الخليجية أثبتت نجاحها خلال جائحة كورونا في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي ودعم قدرة القطاع الخاص على الحصول على الائتمان، الأمر الذي ساهم في دعم الاقتصاد الوطني خلال الجائحة.

وأشاد سعادته بنمو اقتصاد المنطقة المسجل من العام 2000 إلى العام 2023 ، حيث نما متوسط الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو 4%، مقارنة باقتصادات الدول المتقدمة التي بلغ النمو فيها لذات الفترة 1.8%، مع الحفاظ على معدلات تضخم مستقرة في دول مجلس التعاون الخليجي بحدود 2%.

أما سعادة طاهر بن سالم العمري، الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني،فقد أشاد باقتصادات دول المنطقة، حيث قال "إنّ اقتصادات المنطقة تعتبر من أكبر الاقتصادات مجتمعة ومهمة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي طبيعتها تستدعي إيجاد سعر صرف مناسب لتحقيق الأهداف والغايات التي تسعى إليها دول المنطقة، وتاريخيًا أثبت سعر الصرف الثابت فعاليته، حيث يوفر بيئة مناسبة جدًا لجذب الاستثمارات، وبالتالي فإن الربط مفيد لاقتصاد المنطقة، حيث وجدنا في التاريخ السابق واللاحق أن ربط العملة سياسة مفيدة لاقتصاد المنطقة، وأن تكامل السياستين المالية والنقدية في دول الخليج العربية يحقق الاستقرار، وإذا كانت هناك سياسة مالية تحافظ على أسعار السلع والخدمات الأساسية دون استقرار سعر الصرف (السياسة النقدية) فإنّ هذه السياسات لن يكون لها أثر كبير ولا حتى صغير ربما، فالتكامل مهم بين مختلف السياسات".

من جهته، فقد قال سعادة السيد خالد إبراهيم حميدان، محافظ مصرف البحرين المركزي "إنّ تثبيت سعر الصرف فيه فوائد كثيرة من أبرزها تحقيق مستويات نمو أعلى، وتسجل متوسط تضخم أقل، مقابل استقطاب وجذب استثمارات أكبر، مضيفًا أنّ الأربعين عامًا الماضية سجلت فيها دول الخليج العربي نسبة ومعدل نمو عالية مقارنة بباقي دول العالم، حيث نما اقتصاد الخليج العربي بوتيرة أسرع وبنسبة تقدر بنحو 15% مقارنة بدول العالم، كما أنّ متوسط نسبة التضخم في دول المنطقة يقدر بنحو 2.0% مقارنة بباقي دول العالم، حيث يبلغ المتوسط في بقية العالم 5.1%،و من ناحية أخرى استقطبت المنطقة استثمارات أجنبية مباشرة مرتفعة، حيث شهدت دول الخليج العربية استقطاب الاستثمارات الأجنبية بنمو بمعدل 5.5% سنويًا مقارنة بباقي دول العالم التي سجلت نسبة نمو بنحو 3.1%.

وأشار سعادته إلى الدول التي تربط عملاتها المحلية مع عملات عالمية، حيث تبلغ نسبة الدول التي تربط عملتها 30% من إجمالي دول العالم، وتربط 21 دولة عملاتها بالدولار الأمريكي، بينما تربط 15 دولة عملاتها بعملة اليورو، في حين تربط 7 دول عملاتها بسلة من العملات، وهنا لابد من إبراز دور الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي حيث تشير المؤشرات إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي في العالم تشكل فيها حصة الدولار الأمريكي من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي 59% من المجموع وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي لعام 2023.

وختم سعادته مداخلته بالتأكيد على الفوائد التي جنتها دول المنطقة من سياسات الصرف الحالية.