+ A
A -

رغم الهدوء الذي يظهر على السطح في باريس ومختلف المدن الفرنسية فإن عددا كبيرا من المراقبين يرى أن الشتاء الباريسي سيكون ساخنا هذه السنة. فالأزمة الاجتماعية لم تعد خافية على أحد بالرغم من التغطية الإعلامية الفاقعة التي تحاول أن تضع على ظهر المجتمع وطبقاته الفقيرة والمتوسطة سبب الأزمة الفرنسية.

راكم الإعلام الفرنسي الذي تقوده شبكات على صلة برجال الأعمال وأصحاب النفوذ منذ مدة محاولات ربط أزمة الديون وارتفاع الأسعار وحالة التضخم بالنفقات الاجتماعية. كما حاولت أطراف عديدة توجيه الأزمة إلى الطبقات الأكثر هشاشة والتي تتمتع بنظام الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي والأجر الأدنى ومنحة البطالة باعتبارها الأسباب الأساسية لتضخم الدين الفرنسي.

ليس هذا المنوال التعليلي جديدا على الرأي العام لأن اتهام الأطراف الاجتماعية الهشة كالمهاجرين والعاطلين والمتقاعدين.. سردية فرنسية معهودة تسعى من خلالها الأحزاب المسيطرة ورأس المال المرتبط بها إلى إلقاء التهمة على الطرف المقابل بدل تحمل مسؤولية الجرائم الاجتماعية والاقتصادية.

إن أزمة الدين الفرنسية وتردي الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وتراجع الدور الفرنسي أوروبيا ودوليا إنما هو صنيعة الطبقة السياسية اليمينية الحاكمة منذ سنوات.

وليست الواجهات الجميلة التي تحاول الحكومة عرضها مثل حفلات تنظيم الألعاب الأولمبية إلا محاولات لتجميل ما بقي من الانجازات الحكومية وتصويرها على أنها انتصار عظيم. بل إن كثيرين يرون أنّ الانزلاق السياسي الخطير الذي أقدم عليه الرئيس ماكرون عبر منع الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة من تشكيل الحكومة هو مؤشر على المغامرات الخطيرة التي ترتكبها الطبقة السياسية في فرنسا بما هي سبب الوضع الكارثي الذي آلت إليه البلاد.

صحيح أن الحكومات المتعاقبة والأطراف الحقيقية الحاكمة هي أطراف يمينية وليست التشكيلات اليسارية المختلفة إلا جزءا غير مؤثر في المفاصل الكبرى للمشهد السياسي والاقتصادي. صحيح أيضا أن تراجع الدور والقدرة الفرنسية يعود أيضا إلى عوامل خارجية منها السياق الأوروبي وتغير الموازين الدولية اقتصاديا وتجاريا خاصة مع دول آسيا وتجدد النفوذ الروسي في إفريقيا والمستعمرات السابقة.

لكنّ الثابت الأكيد اليوم مع انتشار ملفات وتسريبات الفضائح المالية أن الطبقة السياسية الحاكمة واللوبيات المحيطة بها صارت تشكل أهم أسباب تراجع الدور الفرنسي ودخول البلاد في أزمة اجتماعية خانقة يصعب تداركها.

copy short url   نسخ
19/09/2024
20