+ A
A -
كانتْ مكة على موعد قريب مع الفتح، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسم أمره بالسير إليها، وأخبر الجيش بالاستعداد، ولأن الحرب خِدعة، ولأن من يملك عنصر المفاجأة نادراً ما يُهزم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتمان أمر المسير إلى مكة.
كان كل شيء يسير كما هو مُخطط له، الصحابة من أهل مكة يحلمون باللحظة التي سيُقبِّلون فيها ترابها، والصحابة من أهل المدينة ما زالوا يحلمون بعُمرةٍ رُدُّوا عنها يوم الحُديبية! وبقية الصحابة من جزيرة العرب يحلمون باللحظة التي سيرتفع فيها أذان مكة مُعلِناً أنَّ الله أكبر! غير أنَّ شيئاً لم يكن بالحسبان قد وقع… يستدعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفرسان الثلاثة علي والزبير والمقداد ويأمرهم بالتوجه على الفور إلى «روضة خاخ» حيث هناك امرأة تحملُ رسالةً عليهم إحضارها إليه مهما كلَّف الأمر!
توجَّه الثلاثة مُسرعين فوجدوا المرأة هناك، فطلبوا منها أن تُعطيهم الرسالة، فأنكرتْ وجودها، فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكِتاب أو لنضعنَّ الثياب!
فلما علمتْ أنهم عازمون على تفتيشها، أعطتهم الرسالة وعادوا بها إلى المدينة، وهناك فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة فإذا هي من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يُعلِمهم فيها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة لفتحها!
خرقٌ أمني خطير! وإن شئتَ فقُلْ: خيانة عُظمى!
ويُبرر حاطبٌ فعلته بأنَّ له أهلاً ضعفاء في مكة، وأنه ما أراد برسالته غير أن تكُفَّ قريش أذاها عنهم!
ويقبلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُذره… غير أن عمر بن الخطاب بحزمه المعتاد، وشراسته المتوقعة إذا ما تعلَّق الأمر بهذا الدين يقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، إنه قد شهد بدراً، وما أدراك لعلَّ الله قد اطلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!
إنه قد شهد بدراً!
يا تُرى هل نتذكر ماضي الناس المشرق عندما يقعُ منهم خطأ، أم أننا ننسى كل المعروف، واللحظات الحلوة، والمشاعر الجميلة التي عشناها عند أول زلة قدم؟!
في حياة كل إنسان «بدر قد شهدها» فلماذا لا نمحو الخطأ ببدر تلك بدل أن نمحو بدراً بهذا الخطأ؟!
لماذا نُريد من الناس أن يكونوا ملائكة على الدوام؟! أليس لكل جواد كبوة، ولكل قدم زلة، ولا بد للنبيل أحياناً أن يخونه نُبله، وقد قال علي بن الجهم:
ومن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها
كفى المرءُ نُبلاً أن تُعدَّ معايبه!
تجد الزوجة تخوضُ كل يومٍ بدراً، تربيةً للأولاد، وطبخاً ونفخاً، وتدريساً واهتماماً، وعند أول خطأ ينسى الزوج ذلك كله وكان بإمكانه أن يقفز عنه!
وتجدُ الزوجَ محباً حنوناً رحيماً فإذا أخطأ قامت الدنيا ولم تقعد، تنسى الزوجة عُمراً من المعروف بموقف كان بإمكانها التغاضي عنه!
لماذا على المدير أن ينسى كل ماضي الموظف المشرق عند خطأ عابر، وعلى الموظف أن ينسى لُطف المدير السابق عند أول موقف حزم!
لماذا ينسى الوالدان سنوات ابن في البِر لموقف عقوق واحد، وينسى الأولاد إحسان الدهر من الوالدين للحظة ضعف إنساني واحد!
احفظوا لكل أَحدٍ «بدره» ولا تمحوا كل المعروف بموقف واحد!بقلم: أدهم شرقاوي
كان كل شيء يسير كما هو مُخطط له، الصحابة من أهل مكة يحلمون باللحظة التي سيُقبِّلون فيها ترابها، والصحابة من أهل المدينة ما زالوا يحلمون بعُمرةٍ رُدُّوا عنها يوم الحُديبية! وبقية الصحابة من جزيرة العرب يحلمون باللحظة التي سيرتفع فيها أذان مكة مُعلِناً أنَّ الله أكبر! غير أنَّ شيئاً لم يكن بالحسبان قد وقع… يستدعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفرسان الثلاثة علي والزبير والمقداد ويأمرهم بالتوجه على الفور إلى «روضة خاخ» حيث هناك امرأة تحملُ رسالةً عليهم إحضارها إليه مهما كلَّف الأمر!
توجَّه الثلاثة مُسرعين فوجدوا المرأة هناك، فطلبوا منها أن تُعطيهم الرسالة، فأنكرتْ وجودها، فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكِتاب أو لنضعنَّ الثياب!
فلما علمتْ أنهم عازمون على تفتيشها، أعطتهم الرسالة وعادوا بها إلى المدينة، وهناك فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة فإذا هي من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يُعلِمهم فيها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة لفتحها!
خرقٌ أمني خطير! وإن شئتَ فقُلْ: خيانة عُظمى!
ويُبرر حاطبٌ فعلته بأنَّ له أهلاً ضعفاء في مكة، وأنه ما أراد برسالته غير أن تكُفَّ قريش أذاها عنهم!
ويقبلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُذره… غير أن عمر بن الخطاب بحزمه المعتاد، وشراسته المتوقعة إذا ما تعلَّق الأمر بهذا الدين يقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، إنه قد شهد بدراً، وما أدراك لعلَّ الله قد اطلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!
إنه قد شهد بدراً!
يا تُرى هل نتذكر ماضي الناس المشرق عندما يقعُ منهم خطأ، أم أننا ننسى كل المعروف، واللحظات الحلوة، والمشاعر الجميلة التي عشناها عند أول زلة قدم؟!
في حياة كل إنسان «بدر قد شهدها» فلماذا لا نمحو الخطأ ببدر تلك بدل أن نمحو بدراً بهذا الخطأ؟!
لماذا نُريد من الناس أن يكونوا ملائكة على الدوام؟! أليس لكل جواد كبوة، ولكل قدم زلة، ولا بد للنبيل أحياناً أن يخونه نُبله، وقد قال علي بن الجهم:
ومن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها
كفى المرءُ نُبلاً أن تُعدَّ معايبه!
تجد الزوجة تخوضُ كل يومٍ بدراً، تربيةً للأولاد، وطبخاً ونفخاً، وتدريساً واهتماماً، وعند أول خطأ ينسى الزوج ذلك كله وكان بإمكانه أن يقفز عنه!
وتجدُ الزوجَ محباً حنوناً رحيماً فإذا أخطأ قامت الدنيا ولم تقعد، تنسى الزوجة عُمراً من المعروف بموقف كان بإمكانها التغاضي عنه!
لماذا على المدير أن ينسى كل ماضي الموظف المشرق عند خطأ عابر، وعلى الموظف أن ينسى لُطف المدير السابق عند أول موقف حزم!
لماذا ينسى الوالدان سنوات ابن في البِر لموقف عقوق واحد، وينسى الأولاد إحسان الدهر من الوالدين للحظة ضعف إنساني واحد!
احفظوا لكل أَحدٍ «بدره» ولا تمحوا كل المعروف بموقف واحد!بقلم: أدهم شرقاوي