كان يوم بدر يوم حمزة بن عبد المطلب بامتياز، صالَ فيه الأسدُ الهصور وجالَ، ما مرَّ بفارسٍ إلا وصرعه، ولا أتى على محاربٍ إلا أهلكه، كيف لا وهو الذي كانت تُلقبه قريش في الجاهلية بِصائِدِ الأُسود، ولقَّبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الإسلام بأسدِ الله وأسدِ رسوله!
لقد أصابَ قريشاً في مقتلها، واعتبرته المسؤول الأول عن هزيمتها في بدر، وكان لأكثر من بيتٍ قرشي ثأرٌ عنده!
وكان وحشي بن حربٍ عبداً رامياً بالحربة، مُجِيداً فيها، فوُعِدَ إن هو قتل حمزة يوم أُحد أن يصير حُراً، وهكذا كان، استشهد أول قائد هيئة أركان في تاريخ الإسلام، وصار وحشيٌ حُراً طليقاً! ولما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، هربَ وحشيٌ إلى الطائف خوفاً من فِعلتِه، ثم إنه قد قيل له: إن الرجلَ لنبيٌّ، وإنه لا يثأر لنفسه، وقد قال: الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلو أتيتَه وأسلمتَ، لَقَبِل منك، وعفا عنك!
فجاء وحشيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رآه قال له: أنتَ وحشي؟
قال: نعم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ قتلتَ حمزة؟
فقال: قد كان من الأمر ما بلغكَ، وقد جئتُ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
ولم يلتقيا بعدها، فلما قُبِضَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وادعى مُسيلمة الكذاب النبوة، خرج وحشي في جيش المسلمين، وقتل بحربته مُسيلمة! وكان بعدها يقول: قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، حمزة بن عبد المطلب ومُسيلمة الكذاب!
فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
هنا مربط الفرس، وإسطبلُ الكلام!
الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا يستطيعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يردَّ إسلامَ من جاءه مسلماً لأي فعلة فعلها في الجاهلية حتى لو كان قد قتلَ عمّه! لهذا قبلَ إسلامَ وحشي! ولكنه بأبي هو وأمي لا يستطيع أن يخرجَ من قفص بشرِيَّتِه، إنه يُحبُّ ويكره، ولا يُريدُ أن يرى وجه وحشي طالما فيه جفن يطرف!
لقد طبَّق شرع ربه بقبوله إسلام وحشي، ولكن حقه الشخصي رفضَ أن يتنازل عنه، ما زال موجوعاً لفقد عمه وقائد جيشه وأحد أشرس جنود الإسلام!
العفو عند المقدرة من شِيَمِ النُّبلاء، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيلاً فعفا، ولكن العفو شيء والودُّ شيء آخر!
أحياناً يجرحنا الآخرون عميقاً، يُسبِّبون لنا جروحاً غائرة لن تُشفى ما دامت السماوات والأرض، وقد يدخل الناس للصلح، وقد نسامح، ولكننا لا نُريدهم بجانبنا مرةً أُخرى، ولا نُريد رؤية وجوههم حتى، لأننا كلما رأيناهم سنتذكر طعم الطعنة التي طعنونا إياها، ونتحسس الجرح الذي أحدثوه فينا ولم يبرأ بعد!
تفهموا أن الذي لا يريدُ عودة الأمور إلى مجاريها مجدداً رغم مسامحته ليس بالضرورة أن يكون حقوداً، فلو كان حقوداً ما طوى الصفحة أساساً، ولكن جرحه له وحده، وعلينا أن نحترم خصوصية الجُروح!
وقريباً من هذا قال الأديب الروسي ليو تولستوي: عندما يخونونك فكأنما قطعوا ذراعيك، تستطيع أن تُسامحهم، ولكنك لا تستطيع أن تُعانقهم!بقلم: أدهم شرقاوي
لقد أصابَ قريشاً في مقتلها، واعتبرته المسؤول الأول عن هزيمتها في بدر، وكان لأكثر من بيتٍ قرشي ثأرٌ عنده!
وكان وحشي بن حربٍ عبداً رامياً بالحربة، مُجِيداً فيها، فوُعِدَ إن هو قتل حمزة يوم أُحد أن يصير حُراً، وهكذا كان، استشهد أول قائد هيئة أركان في تاريخ الإسلام، وصار وحشيٌ حُراً طليقاً! ولما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، هربَ وحشيٌ إلى الطائف خوفاً من فِعلتِه، ثم إنه قد قيل له: إن الرجلَ لنبيٌّ، وإنه لا يثأر لنفسه، وقد قال: الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلو أتيتَه وأسلمتَ، لَقَبِل منك، وعفا عنك!
فجاء وحشيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رآه قال له: أنتَ وحشي؟
قال: نعم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ قتلتَ حمزة؟
فقال: قد كان من الأمر ما بلغكَ، وقد جئتُ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
ولم يلتقيا بعدها، فلما قُبِضَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وادعى مُسيلمة الكذاب النبوة، خرج وحشي في جيش المسلمين، وقتل بحربته مُسيلمة! وكان بعدها يقول: قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، حمزة بن عبد المطلب ومُسيلمة الكذاب!
فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
هنا مربط الفرس، وإسطبلُ الكلام!
الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا يستطيعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يردَّ إسلامَ من جاءه مسلماً لأي فعلة فعلها في الجاهلية حتى لو كان قد قتلَ عمّه! لهذا قبلَ إسلامَ وحشي! ولكنه بأبي هو وأمي لا يستطيع أن يخرجَ من قفص بشرِيَّتِه، إنه يُحبُّ ويكره، ولا يُريدُ أن يرى وجه وحشي طالما فيه جفن يطرف!
لقد طبَّق شرع ربه بقبوله إسلام وحشي، ولكن حقه الشخصي رفضَ أن يتنازل عنه، ما زال موجوعاً لفقد عمه وقائد جيشه وأحد أشرس جنود الإسلام!
العفو عند المقدرة من شِيَمِ النُّبلاء، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيلاً فعفا، ولكن العفو شيء والودُّ شيء آخر!
أحياناً يجرحنا الآخرون عميقاً، يُسبِّبون لنا جروحاً غائرة لن تُشفى ما دامت السماوات والأرض، وقد يدخل الناس للصلح، وقد نسامح، ولكننا لا نُريدهم بجانبنا مرةً أُخرى، ولا نُريد رؤية وجوههم حتى، لأننا كلما رأيناهم سنتذكر طعم الطعنة التي طعنونا إياها، ونتحسس الجرح الذي أحدثوه فينا ولم يبرأ بعد!
تفهموا أن الذي لا يريدُ عودة الأمور إلى مجاريها مجدداً رغم مسامحته ليس بالضرورة أن يكون حقوداً، فلو كان حقوداً ما طوى الصفحة أساساً، ولكن جرحه له وحده، وعلينا أن نحترم خصوصية الجُروح!
وقريباً من هذا قال الأديب الروسي ليو تولستوي: عندما يخونونك فكأنما قطعوا ذراعيك، تستطيع أن تُسامحهم، ولكنك لا تستطيع أن تُعانقهم!بقلم: أدهم شرقاوي