+ A
A -
عبد الله معروف كاتب فلسطيني

اعتاد البعض الحديث سنويًا عن موسم التهويد الأطول خلال العام في المسجد الأقصى، وهو موسم الأعياد الدينية المتتالية التي تمتدّ من بداية عيد رأس السنة العبرية حتى نهاية عيد العُرش (سوكوت).

لكننا في هذا العام لا نتكلم عن هذا الموسم بمنطق الخطر السنوي أو موسم الاعتداءات السنوي المعتاد على المسجد، وإنما بتنا في هذه الأيام نتكلم عن خطر وجوديّ يهدد كيان ووجود وكينونة المسجد الأقصى كليًا، خاصةً في ظل تزامنه مع مرور سنة كاملة على انطلاق الحرب الشعواء التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، والتي كان إطلاقها في اليوم الأخير لنفس هذا الموسم في آخر أيام عيد العُرش العام الماضي.

فمن بين مواسم الأعياد الدينية التي يحتفل بها المستوطنون في القدس كل عام ويكون المسجد الأقصى مركزًا أساسيًا لها، فإن هذا الموسم يعتبر الأطول من حيث عدد الأيام، ويقابل عند جماعات المعبد المتطرفة شهرَ رمضان المبارك عند المسلمين من حيث المدة الزمنية والأهمية، حيث يمتد هذا الموسم 22 يومًا تحفل بمجموعة من الأعياد والمناسبات الدينية التي تتمحور في أغلبها حول فكرة المعبد الذي تؤمن جماعات المستوطنين في إسرائيل بأنه يفترض أن يكون في نفس موقع المسجد الأقصى.

يبدأ هذا الموسم بما يسمى «عيد رأس السنة العبرية»، الذي يفترض حسب العقيدة الدينية لتلك الجماعات المتطرفة أن يشهد طقوسًا خاصةً أهمها نفخ البوق في أرض المسجد الأقصى إيذانًا ببدء العام العبري الجديد.

ويحل هذا العيد هذا العام يومي 3 و4 من شهر أكتوبر/‏‏ تشرين الأول القادم. وكان هذا العيد قد شهد في السنوات الثلاث الماضية نفخ البوق في المسجد الأقصى، ومع عيد رأس السنة العبرية تبدأ ما تسمى «أيام التوبة»، التي تمتد حوالي عشرة أيام حتى 12 أكتوبر/‏‏ تشرين الأول القادم، وفي هذه الأيام يحرص المستوطنون على اقتحام المسجد بأعداد كبيرة، وبملابس خاصة بيضاء تسمى «ملابس التوبة»، ويؤدون صلوات خاصة تسمى «بركات الكهنة». وكان العام الماضي قد شهد تصعيدًا كبيرًا في هذه الصلوات دون انتظار رد فعل.

لهذا، فإن هذا العام سيشهد، يقينًا، تنفيذ طقوس دينية علنية داخل المسجد، وعلى نطاق أوسع بكثير من العام الماضي، خاصة أن الذكرى السنوية الأولى بالتقويم الميلادي لأحداث السابع من أكتوبر/‏‏ تشرين الأول ستحل خلال هذه الأيام. ولذلك، فإنه من غير المستبعد أن تحاول جماعات المعبد المتطرفة، برعاية الحكومة الإسرائيلية، استغلال الذكرى لتأكيد وجودها في المسجد الأقصى بقوة أكبر بكثير من السابق.

ومع انتهاء ما يسمى «أيام التوبة» يحلّ يوم الغفران، وهو أهم الأعياد اليهودية في السنة وأكبرها. ويفترض حسب النصوص الدينية أن يكون هذا اليوم هو اليوم الوحيد طوال العام الذي يمكن فيه للحاخام الأكبر دخول منطقة «قدس الأقداس» التي تؤمن الجماعات الدينية في إسرائيل بأنها الصخرة داخل مبنى قبة الصخرة المشرفة، في صلاة خاصة.

وبعد نهاية يوم الغفران بأربعة أيام يبدأ عيد العُرش «سوكوت»، الذي شهد العام الماضي إطلاق عملية «طوفان الأقصى» في يومه الأخير، ويمتد هذا العيد هذا العام من يوم 17 حتى 23 أكتوبر/‏‏ تشرين الأول القادم، يليه مباشرة اليوم الأخير المسمى «سمحات توراة» (أي ختمة التوراة).

وفي هذه الأيام يتعرض المسجد الأقصى في العادة لموجة عاتية من الاقتحامات التي تصاحبها الطقوس الدينية، وإدخال ثمار العُرش التي تعتبر «قرابين نباتية». لكنه يعتبر هذا العام ذا أهمية خاصة جدًا باعتباره الذكرى العبرية الأولى – أي بالتقويم العبري – لعملية «طوفان الأقصى»، علمًا بأن هذه الجماعات تعتمد التقويم العبري في مناسباتها.

ولذلك فإن الذكرى العبرية الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، والتي ستحل يوم 24 أكتوبر/‏‏ تشرين الأول، تعتبر ذات أهمية عالية لدى هذه الجماعات، ولدى تيار الصهيونية الدينية الذي يتحكم بالحكومة الإسرائيلية. ويفترض منطقيًا أن تحاول جماعات المعبد المتطرفة أن تكرس هذا اليوم يومًا للانتقام مما حدث في السادسة والنصف من صباح ذات اليوم العام الماضي عندما اجتاحت المقاومة الفلسطينية غلاف غزة العازل، ودخلت البلدات والمستوطنات حول غزة.

هذه الحقائق تشير إلى أن هذه الجماعات يمكن أن تعد اعتداءً غير مسبوق على المسجد الأقصى في الخفاء، مستغلةً الأوضاع الكارثية التي يمر بها المسجد. ولا ننسى هنا أن عددًا من أفراد هذه الجماعات هم الآن ضمن أفراد شرطة الاحتلال المسؤولة عن المسجد الأقصى، حيث أدخلهم الوزير المتطرف إيتمار بن غفير إلى سلك الشرطة بمجرد استلامه منصبه في وزارة الأمن القومي.

المحصلة من كل ذلك: المسجد الأقصى المبارك يعيش حاليًا معركة وجود بكل ما في هذه الكلمة من معنى، والموسم القادم يحمل معاني خطيرة جدًا لدى تيار الصهيونية الدينية وتيارات اليمين المتطرف في إسرائيل وخارجها على حد سواء. وهذه الجماعات باتت ترى أن الأرضية مهيأة الآن لتفجير المنطقة بالكامل حسب رؤيتها الدينية الخلاصية حول قدوم المسيح، وترى أن الأرضية مهيأة في المسجد الأقصى لتنفيذ مشروعها على الأرض مستفيدةً من حالة العجز العربي والإسلامي غير المسبوقة رسميًا وشعبيًا فيما يتعلق بحماية المسجد.

لهذا، فإن الردع الشعبي الحازم للاحتلال ومستوطنيه بشتى الطرق بات ضرورةً ملحة تقع على عاتق المقدسيين أولًا باعتبارهم العيون الحارسة وخط الدفاع الأول عن المسجد، وعلى سكان مناطق الخط الأخضر كذلك باعتبارهم القوة الثانية من حيث إمكانية الوصول للمسجد الأقصى والدفاع عنه بفاعلية، وسكان الضفة الغربية باعتبارهم الحاضنة الطبيعية للقدس وأهلها.الجزيرة نت

copy short url   نسخ
20/09/2024
20