تثبت التوجهات القانونية والسياسية الأخيرة في أوروبا، أن التوجه المركزي للدولة في التعامل مع المقيمين والمواطنين من أصول غير أوروبية ليس موقفا منعزلاً لليمين العنصري فقط، ولكنه قلق مجتمع وتحفّز سياسي يتصاعد بصورة كبيرة، وقلنا هنا «المقيمين والمواطنين» قبل أن نطرح القرارات الأخيرة لمواجهة حركة اللجوء وترحيل اللاجئين، وخاصة مداولات ألمانيا وهولندا بهذا الصدد، ونحتاج هنا أن نُفصّل في حالات ومستويات هذه الشرائح والتعامل معها، لكن ذلك أمرٌ لا يسعه المقال.
فالأجواء السياسية التي طغت على أوروبا بعد عملية زولينغن الإرهابية في ألمانيا، ترددت أصداؤها في الأروقة السياسية والقانونية المتعلقة بالهجرة، وهي العملية التي أعلن عن تبنيها تنظيم داعش، من خلال وسائط بسيطة تعتمد على توظيف الشباب عبر الإغراق العاطفي لمآسي الأمة، واستفزاز المستوى السطحي لفكرهم، واختيار أهداف سهلة، من المدنيين في الغرب، لتحقيق ضجيج إعلامي.
هذا الضجيج يُحوّل فوراً إلى مكائن ضخ اخباري وتقارير، تنقصها الدقة أو يعتري كثيرا منها التضخيم، ثم تتحول إلى أرضية قرارات قانونية تنفيذية، وهو ما يحصل اليوم في البرلمان الهولندي، الذي فاز مؤخراً الحزب اليميني العنصري فيه، بأغلبية نسبية شكلت تحالفاً حكومياً تسلم الحكم في أمستردام.
كما أن الجريمة تزامنت مع تقدم حزب البديل الألماني في انتخابات إقليمية، شرق ألمانيا، وقبل ذلك دخلت السويد في توجهات جديدة تستهدف شرائح مواطنيها من أصول مسلمة، في عملية غريبة تجمع بين تشجيع المواطنين من أصول مسلمة، على الهجرة العكسية والتخلص منهم، ولكن مع محاولة فرض الوصاية على أطفالهم ودمجهم في مشروع الدولة، وهي حالة تحتاج إلى تفكيك عميق في هدف هذه التوجهات.
وهذه التطورات تشمل إيطاليا ثم موقف فرنسا الداخلي وصعود اليمين، ثم مواجهات اليمين العنصري الأخيرة في بريطانيا، أما في أميركا فإن فرص فوز ترامب ليست المهدد الوحيد، ولكنها تعزز الانقسام نحو اليمين المتشدد، الذي تأثرت بصعوده الحياة الاجتماعية في كندا، والذي عانى مؤخراً من عمليات التفويج الممنهج، الذي تقوم عليها شركات غير قانونية، تبعث عبرها مجموعات ضخمة من الهند، في قضية الطلاب الدوليين، الذين يتحولون لمقيمين ثم مواطنين، واتخذت حكومة ترودو إثرها، قراراً يحد من قبول الطلبة وفرصهم، حتى في المجموعات التي اتخذت خطوات شرعية.
كما أن فُرص فوز حزب المحافظين اليميني في كندا، باتت مرجحة بصورة كبيرة، بعد أن فقد الحزب الليبرالي قاعدة مهمة من أنصاره، بعد فشله الاقتصادي، ثم تبني أبرز لوبياته توجهات متطرفة ضد العائلة المسلمة وأطفالها، كل ذلك يفرض حالة تحدٍ كبيرة وصعبة، على مستقبل مسلمي الغرب المواطنين في دوله، وليس المقيمين وحسب.
وهذا السياق خارج التحديات التي قد تواجهها حركة اللجوء والهجرة للدول الغربية، من ذوي الظروف الإنسانية الصعبة، التي دفعتهم لعبور المحيطات، للانتقال لعالم الشمال، وقد فقد بعضهم حياته في الرحلة ذاتها، ونموذج التغريبة السورية، أحد أقسى هذه المشاهد، كما هي رحلة أبناء إفريقيا.
فقضية المقيمين ثم مواطني هذه الدول المسلمين لها بعد خاص، في ظل استمرار كوارث الشرق، وخاصة بعد انهيار محطة الاستيعاب التركية، وتوجهات الدولة وصعود اليمين العنصري المتطرف في تركيا.
فما العمل؟
إذا كانت فرص الاستقرار رغم بقية التحديات الكبرى في أوروبا هي الأكثر مساحة اليوم، بل إن هناك حالات حاولت الهجرة المؤقتة من خلال الإقامة في دول عربية كالأردن والعمل عن بعد، أو في تركيا بالجواز الغربي، لكنها لم تستطع البقاء، بسبب عدم تكيّف الأطفال، أو فقدان مساحات لوجستية أفضل، تتميز بها الإقامة في الدول الغربية.
ولا تمثل مساحة الهجرة المعاكسة الممكنة، أي نسبة تتجاوز الـ 5% وربما أقل، من مجمل عدد الأسر المسلمة في الغرب الضخم والمتزايد، وقد يعتقد البعض حين يقرأ هذا المادة أن كل مقيم في الغرب يعاني من تحدٍ قيمي على دين أطفاله أو العنصرية في الشارع، أو القوانين ذات العلاقة، وليس الأمر بهذا الإطلاق، فهناك تفاوت بين بعض مناطق الغرب، بل حتى الولايات داخل الدولة الغربية ذاتها، وأيضاً ظروف الاستيعاب التي تنجح فيها الأسر المسلمة، مع وجود كومينتي (مجتمعات مصغرة) تشمل أسرا أخرى ومدارس ومرافق إسلامية.
لكن وجود هذه الشرائح أو المجتمعات الناجحة في تجاوز التحديات الفكرية والقانونية، والاجتماعية، تقابلها مجتمعات عربية ومسلمة ذات ظروف أصعب وأكثر تعقيداً، وهي أقل إمكانيات، خاصة أن المدارس الإسلامية مُكلفة مادياً ومزدحمة، هذا فضلاً عن فورة الجدل القانوني والسياسي في الدول الغربية، الذي ينزع لتقييد مساحة الحق الذاتي لقيم الأسرة وضميرها الديني..
فما الحل هنا؟
لنا عودة بعون الله..