الناس أجناس وألوان وطبائع، بعضهم لطيف المعشر، كلما التقيته أشرق يومك بالسعادة وحلت البركة على وجودك، وبعضهم الآخر لئيم مكفهر الوجه متشائم كلما اجتمعت به أعتم الصباح وغدت تلك الدقائق التي تقضيها بصحبته أشبه بساعات طويلة من الجحيم.
أما فئة ثالثة فهم بعض الأشخاص المزاجيين الذين تراهم كل حين برأي وطبع ولون. ساعة يكون واحدهم في قمة السعادة فيعاملك باحترام ومودة وطيبة، وساعة أخرى تراه غاضباً حانقاً على كل شيء حوله، فيصب جام غضبه عليك ويعاملك بقسوة وقلة احترام، كأنه لا يعرفك أبداً ولا تربطه بك أي صلة.
هذا لا يعني أن أصحاب الطبع المزاجي سيئون في مجملهم، لكن نسبة كبيرة منهم يتصرفون بناء على حالتهم المزاجية المتغيرة. وقد ترى الواحد فيهم بأكثر من حالة خلال ساعات معدودات فحسب، فالآن حمل وديع، وبعد ساعة قد ينقلب إلى نمر مفترس ينقض عليك مهاجماً بلا سبب يُذكر.
وهؤلاء الناس يفضل أن تبتعد عنهم قدر المستطاع، فلا أحد فينا يحب أن تتم معاملته بناء على مزاجية الشخص الآخر وهواه، كما أن التعامل معهم غاية في الصعوبة؛ لأنك مهما حاولت فإنك لن ترضي مزاجهم المتقلب ولن تتمكن من مواكبة التغيرات الفجائية التي تطرأ على شخصياتهم.
إن بناء علاقة إنسانية مثمرة يجب أن تقوم أولاً وأخيراً على المودة والاحترام، فبلا احترام لا يمكن تأسيس أي علاقة حب أو صداقة متينة. في إحدى المرات جاء رجل يسأل حكيماً عن كيفية توطيد علاقته بأسرته، ويشكو له في الوقت ذاته المشكلات اليومية التي تحدث بينه وبين أفراد عائلته لسنوات طويلة دون توقف، فأجابه الحكيم بكلمة واحدة معرفاً الحب بقوله: «الاحترام»، بمعنى أنه من دون احترام لا وجود للحب.
عندما ينتفي الاحترام بين الطرفين تنتهي العلاقة أيّاً كانت، وهنا مكمن المعضلة مع أصحاب الطباع المتقلبة، حيث إنهم وإن تعاملوا معك باحترام حيناً، فلا بد أن ينقلب حالهم ويسيئوا التعامل في مناسبات عدة بناء على حالتهم النفسية.
والحقيقة أنه ينبغي على كل إنسان ألا يقبل معاملة الآخرين له بناء على أهوائهم ومصالحهم وحالتهم المزاجية، لأن احترام الذات هو أساس احترام الغير لك، لهذا من لا يحترم نفسه لا يحترمه الناس مهما فعل.
وأفضل حل للتعامل مع أمثال أولئك هو وضع حدود واضحة المعالم بينك وبينهم، بحيث لا تسمح لأحدهم بتجاوزها مهما كان السبب، وبالتالي تنأى بنفسك عن المواقف المحرجة والتعرض للإساءة الناتجة عن تقلب مزاجهم قدر الإمكان.
أما الغريب في الأمر، فهو أن كثيراً من أصحاب الشخصيات المزاجية لا يدركون أنهم مخطئون في تصرفاتهم تجاه الآخرين حتى لو أخبرتهم بذلك. إن العالم في أذهانهم يتمحور حولهم فحسب، ولهم الحق في فعل ما يشاؤون وقتما يشاؤون، لكن ذلك غير صحيح.
حالتك المزاجية تقع ضمن دائرة حريتك الشخصية شرط ألا تطال الغير. فكما يقول المثل: «تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين». إذ لا شك أن لك حرية اختيار أفكارك ومشاعرك والانسياق خلفها من عدمه، لكن ليس لك الحق بأن تعكس ما تشعر به على المحيطين بك، فتكون ودوداً معهم فقط عندما تشعر بشيء من السكينة والسرور، وتنقلب عليهم عندما تشعر بالضجر أو الغضب أو غير ذلك من مشاعر سلبية.
من هذا المنطلق، يفضل دائماً عدم مصاحبة المزاجيين، لأن التعامل معهم متعب للغاية، ومن الصعب إرضاؤهم. وخير لك أن تبقى وحيداً من أن تصاحب شخصاً مزاجيّاً يعاملك تبعاً لحالته النفسية المتغيرة.
وفي النهاية صدق المثل الذي يقول «قل لي من تصاحب أقل لك من أنت»؛ لأننا نتأثر شئنا أم أبينا بمن نصاحب بحكم العشرة، فكما يقول بيت شعر جميل:
من خالط العطار نال طيبه...
ومن خالط الحداد نال السوائدا..
لذا صادق من تحب أن تكون مثلهم.