+ A
A -

لطالما أكدت قطر التزامها بالعمل الدولي متعدد الأطراف، ودعم دور الأمم المتحدة، ومواصلة التعاون والشراكة معها، من أجل تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، كما أكدت على الدوام أنها ستبقى منبرا موثوقا للحوار والتعاون بين الأطراف المؤمنة بأهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات العالمية.

لقد نهضت الأمم المتحدة بدور حيوي لا يستهان به لمواجهة التحديات والصراعات والأزمات الناجمة عن بعض السياسات غير المسؤولة، وكانت قرارات الأمم المتحدة وإجراءاتها، وكذلك الصكوك القانونية الدولية، بمثابة صمام أمان لحفظ السلم والأمن الدوليين، واحترام سيادة القانون، وأضحت عاملاً رادعاً لكل من يحاول العبث بالأمن الدولي، وتعد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة التي أنشئت في العام «1945» بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واحدة من الأجهزة الستة الرئيسية للمنظمة وتحتل موقع الصدارة بين تلك الأجهزة لكونها تعتبر الجهاز الرئيسي للتداول وتقرير السياسات والتمثيل فيها، عبر أعضائها البالغ عددهم «193» دولة.

وتستطيع الأمم المتحدة بحكم الصلاحيات المخولة لها في ميثاقها ولطابعها الدولي أن تتخذ العديد من الإجراءات المصيرية التي تتعلق بالقضايا الخاصة بالبشرية، منها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية وتعزيز التنمية المستدامة والتمسك بالقانون الدولي.

كما تقوم الأمم المتحدة أيضا بمعالجة العديد من القضايا، منها التغير المناخي الذي أصبح يهدد العالم في جوانب عديدة، وقضية القضاء على الفقر حيث لايزال «42 %» من سكان إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون تحت خط الفقر وغيرهما من القضايا التي تعمل الأمم المتحدة على معالجتها باستخدام مختلف الوسائل والطرق، لكونها تعد المحفل الأهم القادر على معالجة القضايا التي تتجاوز حدود الدول الوطنية والتي لا يمكن لبلد منفرد حلها وهذا يعود لأن المنظمة متفردة بتمثيل جميع دول العالم تحت سقف منظمة دولية واحدة.

إيمان قطر بالمنظمة الدولية وأهميتها لم يتزعزع يوما، وقد جاء افتتاح «بيت الأمم المتحدة» بمنطقة لوسيل على هامش مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نموا، في مارس «2023» والذي يضم «12» منظمة ووكالة دولية تعنى بقضايا دولية هامة مثل مكافحة الإرهاب، والتنمية المستدامة، وحماية الأطفال، والتعليم، نتيجة عمل جاد ودؤوب، وثمرة مسار بدأ منذ أعوام عديدة في إطار الشراكة الاستراتيجية بين دولة قطر والأمم المتحدة، الذي تضمن افتتاح العديد من مكاتبها وهيئاتها في الدوحة، ومثالا ناجحا آخر على عمق الشراكة الاستراتيجية والتعاون الحيوي بين دولة قطر ومنظومة الأمم المتحدة، وانطلاقة متجددة لشراكة من المؤمل أن تشكل دافعا لتعزيز مخرجات عمل الوكالات والمؤسسات الأممية المختلفة بما يحقق الطموحات المشتركة.

جهود قطر هذه كانت محل إشادة وتقدير واسعين، وهو ما عبر عنه السيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اعتبر أن «بيت الأمم المتحدة» في قطر ليس مجرد مكان عادي، لكنه كيان يجتمع فيه العمل التنموي والإنساني والدبلوماسي تحت سقف واحد، ورمز لشراكة الأمم المتحدة الاستراتيجية مع قطر، معتبرا أن الشراكة الاستراتيجية بين الأمم المتحدة ودولة قطر تنمو كل عام وأن استضافة قطر للمؤتمر الخامس المعني بالدول الأقل نموا يعكس التزام قطر بالمساهمة في وضع خريطة للعالم وتقديم حلول لملايين الأشخاص لتحديات الفقر والاستدامة وكذلك مساندة الدول الأقل نموا.

وتشكل مشاركات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثالا بارزا على ما توليه قطر من أهمية خاصة للعمل الدولي متعدد الأطراف، وعلى التزامها بواجباتها الدولية ونقل الصورة المشرقة ودورها الحضاري والإنساني تجاه مختلف القضايا والتحديات العالمية، كما تجسد الحضور الهام والمميز لدولة قطر على الساحة الدولية، بدبلوماسيتها النشطة التي مكنتها من احتلال موقع متميز على المستوى العالمي، والمتتبع لكلمات رؤساء الوفود أمام اجتماعات الجمعية العامة سوف يلحظ أنها غالبا ما تتعلق بهموم دولهم ومشاغلها، في حين حملت كلمات صاحب السمو أمير البلاد المفدى هموما ومشاغل تتعلق بالقضايا العربية والدولية والإنسانية والتي تؤكد في مجملها أن قطر ستبقى وفية لقيم الحق والعدل، سواء عبر جهود الوساطة وفض النزاعات، أو قضايا التنمية، والبيئة والتعليم، وبطبيعة الحال فإن القضية الفلسطينية كانت على الدوام الشغل الشاغل لقطر، أولا لما تمثله من قضية مركزية لها وللعرب جميعا، وثانيا لإيمانها التام بأن حل هذه القضية هو الشرط الأساسي لتقدم المنطقة بأسرها، واستتباب الأمن فيها، بالإضافة إلى تأكيد مساهمة قطر الفعالة في الجهود الدولية لبلورة الآليات والنظم الأساسية لمعالجة التحديات العالمية، وإبراز دور قطر الفاعل في إطار التضامن الدولي لإيجاد حلول مبتكرة وواعدة للتحديات الدولية، والمساهمة الفاعلة في جهود إصلاح الأمم المتحدة، بما في ذلك تنشيط الجمعية العامة وإصلاح مجلس الأمن وتسليط الضوء على عجز المجتمع الدولي في الاصطفاف حول القيم العالمية وضرورة القضاء على ازدواجية المعايير.

في قراءة للخطاب السامي، يمكن الوقوف أمام عدة محاور أساسية، حملت العديد من الرسائل الهامة، كما قدمت حلولا للأزمات والقضايا الملحة:

قضية فلسطين

قضية فلسطين كانت المحور الأساسي في خطابا سموه، كما كانت على الدوام في كل خطاباته، أمام الجمعية العامة، حيث أخذت حيزا رئيسيا بالنظر إلى الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، وتضامن دولة قطر ودعمها الراسخ للشعب الفلسطيني الشقيق، وما تقوم به من أجل التوصل لاتفاق يوقف سفك الدماء ويمهد الطريق لحل شامل وعادل ودائم.

سموه خاطب ضمائر العالم شعوبا ومسؤولين، فالكارثة كبيرة، وعدم التدخل، كما أوضح سموه، لوقف العدوان هي فضيحة كبرى.

خاطب صاحب السمو، عبر الجمعية العامة، العالم بأسره، وفي جعبة قطر جهود استثنائية لوقف الحرب على غزة والانخراط في عملية سلمية من شأنها وحدها إشاعة السلام في المنطقة والعالم، كما في جعبتها الكثير من المنجزات كوسيط ومفاوض في حل النزاعات ومنظم لمحادثات السلام الدولية، وهي الجهود التي ثمنها العالم بأسره، وكانت محل تقدير كبير من جانب الأمم المتحدة.

إيمان قطر لم يتزعزع يوما بعدالة القضية الفلسطينية، فهي قضيتها وفي قلب جهودها الدبلوماسية، وهي ستبقى وجهة الباحثين عن الأمن والسلم الدوليين، وكما أكد سموه فإن الوساطة والعمل الإنساني هما خيار استراتيجي لقطر، في إطار الدور الكبير الذي تضطلع به لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.

- بدأ سموه خطابه بتوصيف جريمة العدوان على غزة: الأشد همجية وبشاعة والأكثر انتهاكا للقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية.

- وجه صاحب السمو انتقادات للصامتين عن هذه الجريمة: إن عدم التدخل لوقف العدوان هو فضيحة كبرى.

- أكد سمو الأمير المفدى استحالة تهميش القضية الفلسطينية: إنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي. وبات هذا الاحتلال يتخذ شكل نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين.

- طالب سموه بحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة: على الأقل يرسل رسالة لحكومة اليمين المتطرف الضالعة في تحدي الشرعية الدولية بأن القوة لا تلغي الحق.

- أكد سموه أن الوساطة والعمل الإنساني هما الخيار السياسي الاستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي: وسوف نواصل بذل الجهد مع شركائنا حتى التوصل إلى وقف إطلاق النار الدائم وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، والتوجه إلى مسار الحل العادل وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحصول الشعب الفلسطيني على كافة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.

الاعتداء على لبنان

تناول سمو أمير البلاد المفدى الحرب الوحشية على لبنان وارتكاب جريمة كبرى بتفخيخ وسائل اتصال لاسلكية وتفجيرها بآلاف الناس في لحظة واحدة دون أخذ هويتهم أو مكان تواجدهم بالاعتبار، محذرا من أن إسرائيل تشن حاليا حربا على لبنان ولا أحد يعلم إلى أي حد يمكن أن تتدهور هذه الحرب.

الوضع في اليمن

دعا سموه إلى الحفاظ على هدنة عام 2022، والانطلاق منها نحو وقف شامل لإطلاق النار وتسوية الأزمة وضمان وحدة اليمن وتحقيق تطلعات شعبه الشقيق، وذلك من خلال التفاوض بين الأطراف اليمنية على أساس مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

الأزمة السورية

كرر صاحب السمو موقف دولة قطر الواضح منذ البداية والحريص على مصلحة الشعب السوري الشقيق، وضرورة الحوار والتفاهم على إنهاء الأزمة وفقا لإعلان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، وبما يحقق تطلعات الشعب السوري، ويحافظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.

الشأن السوداني

دعا سموه جميع الأطراف السودانية إلى وقف القتال، وأكد على دعم قطر لكافة الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء هذه الأزمة بما يضمن وحدة مؤسسات الدولة وسيادة السودان واستقراره.

الأوضاع في ليبيا

تناول سموه الأوضاع في ليبيا مؤكدا دعم المسار السياسي وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وحث كافة الأطراف على العودة إلى الحوار وتجاوز الخلافات من أجل إتمام المصالحة الوطنية الشاملة والحفاظ على التقدم والمكاسب التي تحققت على المسارات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتوحيد مؤسسات الدولة.

الحرب في أوكرانيا

كرر صاحب السمو الدعوة لجميع الأطراف إلى تطبيق أحكام ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي، والعمل على إيجاد حل سلمي، بوصفه الحل الوحيد الممكن.

خطاب صاحب السمو عبر بعمق ومسؤولية عن آمال وتطلعات شعوب العالم، عبر التأكيد على قيم السلم والأمن والاستقرار والسلام، وجميعها تمثل جوهر أهداف الأمم المتحدة، التي تؤمن قطر إيمانا عميقا بأنها المكان الأمثل لحل النزاعات والصراعات وفق مبادئ القانون الدولي.

محمد حجي - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
25/09/2024
60