+ A
A -
سمير الزبن كاتب وروائي

انتهت الاجتياحات الإسرائيلية لقطاع عزّة، بما فيها اجتياح مدينة رفح، الذي دار بشأنه جدلٌ كثير، وهي آخر الأماكن في القطاع التي يمكن ادّعاء تحقيق إنجاز عسكري إسرائيلي فيها. كما انتهى بنك الأهداف الإسرائيلي، الذي تدّعيه تلّ أبيب في القطاع، بقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وبهدم المباني بالجملة، وباستخدام القذائف والصواريخ أدواتِ هدمٍ للمباني، وقتلٍ للسكّان وتهجيرهم المرّة بعد الأخرى، من دون الوصول إلى أهداف الحرب، بالقضاء على حركة حماس، وبمنع أيّ تهديد جديد لإسرائيل، وباستعادة المُختطَفين، وهي الأهداف المُعلَنة من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو للحرب الإسرائيلية القائمة على الفلسطينيين. ذلك كلّه من دون أن يُحدّد نتانياهو ما الذي يريده في اليوم التالي للحرب. ويبدو أنّه لا يريد تحديد ذلك، حتّى يجعل السيطرةَ العسكريةَ الإسرائيليةَ الدائمةَ على قطاع غزّة هي اليوم التالي للحرب.

وبصرف النظر عن شكل هذا اليوم التالي، كما يطالب الآخرون به، وفي مقدمتهم الولايات المتّحدة، فإنّ الحديث يدور معه عن حلّ سياسي ما، ولأنّ نتانياهو واليمين الإسرائيلي لا يريد أيّ حلٍّ سياسيٍّ مهما كان مُجحفاً بحقّ الفلسطينيين، يصبح استمرار الحرب بدلاً من السياسة، أو هو السياسة، وبذلك تشكلّ الحربُ المستمرّة، والسيطرةُ العسكريةُ، اليومَ التالي الذي تريده حكومة نتانياهو. وبما أنّه لم يعد هناك ما يمكن اعتباره إنجازاتٍ أو أهدافاً عسكريةً في القطاع، فكان على نتانياهو أن يجد بديلاً يجعل الحرب خياراً سياسيّاً وحيداً مستمرّاً، ويُقدّم إنجازاتٍ جديدةً من وجهة النظر الإسرائيلية الحكومية، فكانت إضافة إعادة المهجّرين من الشمال بفعل قصف حزب الله هدفاً من أهداف الحرب الإسرائيلية الحالية التي بدأت باستعراض القدرة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية في لبنان بشكل استعراضي هوليوودي، بعملية استخبارية مُعقَّدة فجّرت أجهزة اتصال كوادر حزب الله، ومن ثمّ عملية القصف التي استهدفت قوة الرضوان، وهي أفضل قوات حزب الله العسكرية، وبقصف واسع لمناطقَ لبنانية سقط فيها مدنيون، وبرّرت إسرائيل هذا السقوط بأنّ حزب الله يستعمل المواطنين دروعاً بشريةً، وهي الذريعة ذاتها التي استخدمتها إسرائيل في التغطية على جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزّة، التي أودت بحياة عشرات آلاف المدنيين في القطاع، والذريعة استخدامهم دروعاً بشريةً، وهي ذريعة أصبحت ممجوجةً للتغطية على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.

من الواضح أنّ استهداف إسرائيل حزب الله لا يهدف إلى ضرب قدراته العسكرية فحسب، بل يهدف بشكل مباشر إلى تصعيد إقليمي من خلال جرّ إيران إلى الحرب أيضاً، وبالتالي، جرّ الولايات المتّحدة إليها. فالتصعيد ضدّ حزب الله يستهدف ردّة فعل قوية من الحزب تستدعي ردّاً إسرائيلياً متصاعداً ومتبادلاً، وصولاً إلى صدام كبير لن تستطع إيران، حسب التقديرات الإسرائيلية، أن تبقى بمنأى عنه. وفي حال دخول إيران خطّ التصعيد، لن يكون هناك خيار أمام الولايات المتّحدة سوى الدفاع عن إسرائيل حليفتها الاستراتيجية في المنطقة. هذا السيناريو الذي تراه حكومة نتانياهو الأمثل لإسرائيل للخلاص من المخاطر التي تعتقد أنها تهدّدها في المنطقة. رغم أنّ الأطراف الخارجية من هذا السيناريو لا تريد هذا المسار، لا الولايات المتّحدة تريد تصعيداً يتحول حرباً إقليميةً تجد نفسها طرفاً فيها، خاصّة مع اكتفاء الأميركيين من الحروب الخارجية بعد التجارب الفاشلة في كلٍّ من العراق وأفغانستان، فلم تعد لديها رغبة في أن تكون طرفاً في أيّ حرب في المنطقة، فقد كانت تجربتها مكلفةً ومن دون مردود.

لا ترغب إيران في هذا التصعيد، وفي الوقت ذاته لا يمكنها أن ترى حزب الله (حليفها القوي)، يتعرّض للتدمير من دون أن تفعل شيئاً. حتّى أنّها بعد التهديد القوي بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة أثناء احتفالات ترسيم الرئيس الايراني الجديد في طهران، تمهلت بهذا الردّ، فتمنّى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان على المُرشد علي خامنئي التمهل بالردّ، لأنّ الأوضاع الإيرانية الداخلية لا تحتمل هذا التصعيد.

انجراف التصعيد إلى حيث تريد إسرائيل هو ما تحاول الأطراف منعه، خاصّة الولايات المتّحدة، وإدارة بادين، التي مثل كلّ إدارة أميركية سابقة، تتحوّل بطّةً عرجاءَ في نهاية ولايتها، وآخر ما تريده أن تجد نفسها متورّطةً في حرب في المنطقة. أمّا استمرار الحرب فسيحقّق لنتانياهو وحكومته اليمينية، في نهاية المطاف، أن يبقى الفلسطينيون تحت ضغط الآلة العسكرية الإسرائيلية لأجلٍ غير مسمَّى، لأنّ هناك إجماعاً إسرائيلياً لا يريد أيّ حلٍّ سياسيٍّ، وبذلك تصبح الحرب المستمرّة هي الحلُّ الأمثل لإسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين.

copy short url   نسخ
27/09/2024
0