كشف السيد حمد التميمي مؤسس مشروع شخصيات معاصرة كواليس العمل على هذا المشروع الثقافي الكبير، وتحدث بصراحة عن الجهات والأفراد الذين أسهموا في دعمه ومكّنوه من تحويل فكرته إلى واقع، كما تطرق إلى الانتقادات الحادة التي واجهها خلال مسيرته، وكيف تعامل معها بعزم وإصرار.

وتحدث التميمي في حوار خاص لـ الوطن ، عن مشروعه الثقافي «شخصيات معاصرة» وكشف التحديات المالية والتنظيمية التي واجهها في البداية وكيف تغلب عليها بالدعم المعنوي والمادي من القطاعين العام والخاص. كما استعرض أهمية التوثيق، وأبرز العقبات التي تواجه هذا المجال مثل غياب آليات واضحة، وسعيه لتطوير نظام توثيقي موحد. كما ناقش أيضاً كيفية استقطاب الخطوط الجوية القطرية كراعٍ رئيسي، وردّ على الانتقادات حول توجهاته الثقافية الفريدة وكذلك أسعار الكتب والجوانب الفنية في مشروعه.

} تعدّ إصدارات وحفلات تدشين حمد التميمي الأعلى تكلفة في السّاحة الثّقافيّة، ويبرز اسمك ضمن الكُتاب الأكثر تعاونا مع الجهات الحكوميّة والخاصّة. كيف يعكس ذلك شعورك بالتميّز؟

ــ أشكرك أولاً على هذا اللقاء، ببساطة منذ اللّحظة الّتي وضعت فيها خطّة العمل وأتممت تشكيل الفريق، عزمت على أن يكون هذا المشروع الثّقافيّ نموذجيًّا ومتميّزًا في كلّ جوانبه. لم أترك بابًا إلا طرقته، ولا مجالًا للتّعاون إلا سعيت إليه، حيث تواصلت مع عدد من الجهات الحكوميّة ونحو خمسين جهة خاصّة طلبًا لدعم المشروع، وعلى الرغم من التّحدّيات الّتي واجهتني في البداية من رفض وانتظار طويل كادا يدفعانني إلى اليأس، فإنّ إصراري وشغفي كانا المحفزيْن اللذين دفعا العديد من الجهات لتقدير فكرتي، ومع مرور الوقت وتزايد عدد المؤمنين بالفكرة تحوّلت المبادرة من مشروع فرديّ إلى إنجاز جماعيّ، إذ تشكّل فريق كبير من الدّاعمين والرّعاة. ومع كلّ يد امتدّت للمساعدة شعرت بعبء أكبر ومسؤوليّة أعظم للحفاظ على المستوى الذي وصل له المشروع، ورغم قناعاتي ودقة التخطيط إلا أنى كنت أستمع بإنصات إلى الآراء والنّقد، وأعدّل ما يلزم، وأضيف ما هو ضروري لضمان نجاح المشروع واستمراريّته.

} هذه التّفاصيل تثير فضولنا حول بدايات المشروع والمراحل الّتي مرّ بها؛ فهل يمكن أن تعود بنا إلى البداية؟

-⁠بدأ مشروع «شخصيّات معاصرة» كمبادرة فرديّة لتوثيق قصص شخصيّات بارزة من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وكان مخططًا له قبل جائحة (كوفيد - 19) لكن مع اندلاع الجائحة فرضت دولة قطر قيوداً صحية صارمة حالت دون التواصل مع الشخصيّات المستهدفة، لكنّها أدّت أيضًا إلى إعادة هيكلة المشروع، وكانت سببا في اتساع الرؤية وتكوين فريق أكاديمي لوضع معايير لاختيار الشخصيّات، وبالتالي تطوّر المشروع وانطلق بثبات، وبعد نجاح النسخة الأولى والتفاعل الإيجابي الذي لقيه من المجتمع أصبحت أشعر بمسؤوليّة أكبر تجاه المجتمع لتقديم رؤية جديدة تعزّز من تقدير إنجازات الأفراد في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تعزيز مجال التّوثيق الّذي يواجه العديد من التّحدّيات والصّعوبات. هذا التّحوّل أسهم في توسيع نطاق المشروع مما جعله الأكبر من نوعه في دولة قطر والخليج.

} ذكرت أن هناك تحدّيات في مجال التّوثيق.. ما طبيعة هذه التّحدّيات؟ وكيف استطعت التّغلّب عليها؟

-لا شك أن مجال التّوثيق يواجه تحديات كبيرة، فهو يعاني من تهميش شبه تام وغياب آليات منظمة تؤدي إلى تشتت الجهود وفقدان المعلومات. بسبب هذه الفوضى، يصبح من الصعب تأكيد المعلومات وضمان دقتها، لذلك قررت تطوير نظام موحد يتضمن خطوات واضحة لجمع المعلومات وتوثيقها، سواء صوتيًا أو عبر الفيديو، وتنظيمها زمنياً لضمان دقتها، وأعتقد أني مشيت خطوات مهمة في تحسين جودة التوثيق وزيادة الوعي بأهميته. ومع ذلك، فهي تبقى جهودا محدودة بالوقت والإمكانيات المادية واللوجستية في حين أن التغيير الجذري والإصلاح العميق يتطلب جهوداً مؤسسية ووعياً مجتمعياً يتجاوز إمكانياتي الفردية.

} عرض كُتب «شخصيات معاصرة» في مطار حمد الدولي ورعاية الخطوط الجوية القطرية للحفل يعتبران سابقتين في عالم الثقافة، كيف نجحت في استقطاب الخطوط الجوّيّة القطريّة لتكون الرّاعي الرّسميّ؟ وكيف أثّر التّعاون مع الجهات الكبرى في مشروعك الثّقافيّ؟

-في الحقيقة ليس هناك سر أو وصفة سحرية لاستقطاب جهات كبرى، كل ما تسلحت به خلال هذه الرحلة هو المثابرة والإصرار والرؤية الواضحة وأيضا في المقابل انخراط الجهات الكبرى في العمل المجتمعي، وكانت الخطوط الجوية القطريّة من أولى الجهات الّتي أدركت أهمّيّة المشروع وقيمته. وأخصّ بالذّكر المهندس بدر بن محمد المير - الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية الّذي كان من أوائل الدّاعمين لهذا المشروع، وأدّى دورًا بارزًا في تعزيز هذا المشروع الّذي جمع أكثر من 170 شخصيّة بارزة من دولة قطر. كما كان لتعاون الجهات الكبرى مثل وزارة البلدية وشركات مثل هواوي ومرسيدس ودوري نجوم قطر واي برينت،،، وإلخ.. دور محوري في نجاح المشروع من خلال الدعم المالي واللوجستي، مما أسهم في تحسين جودة الطباعة وزيادة الاهتمام. ولا أخفي عليكم بأن ردود الفعل كانت إيجابيّة جداً بعد عرض الكتب في صالتيْ الصّفوة والمرجان بمطار حمد الدّوليّ وأسهمت في تعزيز دعم الكتب.

ومن المواقف التي لا تزل عالقة في ذهني، بعد يومين من الحفل الرئيسي كنت في فندق الشيراتون مع بعض الضّيوف القادمين من خارج قطر لحضور الفعاليّة، وفي خضم الاتّصالات والرّسائل الّتي كانت تتوالى للتّهنئة بنجاح الحفل والأصداء الإيجابيّة، لم أستطع أن أتمالك نفسي فابتعدت عن الضّيوف واتّصلت بالمهندس بدر الذي كان وقتها في لندن معبّرًا له عن امتناني لدعمه القيّم وإيمانه بهذا العمل.

} ما مدى صحة المفاوضات الّتي جرت بينكم وبين شركة «تيك توك» بشأن رعاية الحفل بالتّزامن مع مفاوضاتكم مع شركة هواوي العالميّة؟

- فيما يتعلّق بالمفاوضات مع شركة «تيك توك» فقد كانت هناك محادثات متقدّمة، ولكن لم تتح الفرصة لتجسيد الشّراكة في هذه النّسخة من الحدث. ومع ذلك، أظلّ متفائلًا بأنّ هناك فرصة لتعاون أعمق في المستقبل، إذ نعدّ «تيك توك» شريكًا واعدًا يمكن أن يضيف قيمة للمشروعات المقبلة.

}واجهت العديد من الانتقادات بشأن ارتفاع أسعار الكتب، وفي الوقت ذاته إشادة بجودة العمل وفخامة حفل التّدشين، فهل توجد عَلاقة بين سعر الكتب وتركيزك على الجوانب الفنّيّة والجماليّة؟ وهل هذه الانتقادات كانت وراء اختيارك التّوجّه نحو السّاحة الكويتيّة لتكون محطّتك القادمة؟

-فعلًا للأسف واجهنا انتقادات لارتفاع أسعار الكتب، لكننا نؤمن بأن الأسعار هي انعكاس لجودة الطباعة العالية، التي تجاوزت تكلفتها ربع مليون ريال، وأعتقد أن الأصوات المنتقدة أقل بكثير من الداعمة والمشيدة بجودة العمل والطباعة.

أما بخصوص اختيار الكويت كمحطة قادمة للمشروع فلا علاقة له بالانتقادات، بل هو خيار مدروس لتوسيع الفعاليات لا سيما أن دولة الكويت منارة ثقافية ولها تأثير كبير في المشهد الثّقافيّ بالمنطقة، لكن لا بد من الإشارة أن مكان إقامة الحفل القادم ما زال قيد الدّراسة ومراجعة الإمكانيّات.

} تمكنت من تحقيق معادلة صعبة، وهي إصدار النسخة الإنجليزية بالتزامن مع صدور النسخة العربية مع المحافظة على جودة التدقيق اللغوي والترجمة، فكيف تمكنت من الإمساك بجميع الخيوط بيد واحدة؟

-تمامًا، الأمر لم يكن هينا، فقد بُذلت جهود كبيرة لتحقيق تناغم النسخة الإنجليزية مع النسخة العربية ولضمان جودة الترجمة والتدقيق اللغوي، وقد زاد من تعقيد الوضع تحديات تحقيق التوازن بين اللغتين والإضافات المستمرة على النص الأصلي، لكن الأستاذ ظافر أيدن دركوشي عالج صعوبات الطبعة الإنجليزية، في حين قدم الأستاذ محمد شبراوي إسهامات بارزة في التدقيق اللغوي، وقد استمرت العملية لأكثر من سنتين، مع مراجعات حتى اللحظات الأخيرة قبل النشر، مما أضفى أدبية وجمالية تليق بالنص الأصلي.

} كنت مبتكرًا ومجتهدًا خلال المشروع الثّقافيّ، فكنت أوّل من ينظّم حفلًا للكشف عن صور أغلفة الكتب، وأول من يعقد سلسلة من النّدوات مع مؤسّسات لرفع الوعي بأهمّيّة التّوثيق والتّحدّيات الّتي تواجهه. كيف نشأت هذه الأفكار؟ وما كواليس تنفيذها؟

-جاءت فكرة إقامة حفل لكشف تصاميم أغلفة الكتب نتيجة جهود مشتركة من فريق العمل بقيادة السيّدة ناتالي ناصيف الرئيس التنفيذي لشركة «ساين إيجنسي» وبالتشاور مع مستشار المشروع الصديق الإعلامي أحمد عبد الله الذي رافقنا بخبرته ورؤيته مما ساهم في توجيه الجهود بشكل فعّال وواضح، فقد بدأت الفكرة عندما عرض «جاليري المرخية» لوحات فنية للفنان أحمد نوح لتكون أغلفة الكتب، مما ألهمنا لتنظيم حفل خاص في «ڤوج كافيه»، وقد تجسدت الفكرة بفضل دعم السيدة أمل أمين وتقديمها جميع التّسهيلات لنجاح هذه الفعاليّة، في حين كشف كل من السيّد أشرف أبو عيسى والدكتورة بثينة الأنصاري عن التصاميم بأسلوب مميز وسط حضور عدد كبير من المؤثرين والفنانين.

وقد سبق الحفل إقامة عدد من الندوات الثقافية التي عكست رؤيتي للمشروع كمنصة ثقافية تعزز الروح الوطنية وتوسع المعرفة، بالتعاون مع جهات بارزة مثل مكتبة قطر الوطنية ومتحف الفن الإسلامي. هذه الفعاليات نالت إشادة واسعة من المثقفين، مما عزز من أهمية المشروع.

} شهد تصميم الحفل تغييرات جذريّة قبل موعده بأيّام قليلة.. ما سبب هذه التّغييرات. وما التّحدّيات الّتي واجهتك؟

-نعم، في 13 يونيو 2024، أي قبل الحفل بـ11 يومًا، أرسل لي صديق مقطع فيديو من حفل توزيع جوائز في دبي، وأبهرني ما شاهدت لاسيما فيما يتعلق بالتقنيات المستخدمة، مما رفع سقف طموحاتي إلى آفاق جديدة. تواصلت مع مصممة الحفل، وعرضت عليها الفيديو واقترحت تنظيم شيء مشابه. قالت مازحة «يا حمد! أرجو ألّا تبعدنا عن الثّيم الثّقافيّ، لأنّ خطأ واحدًا يحوّلنا إلى ثيم عرس»، فأجبتها بأنّني واثق في قدراتها، وتوكّلنا على الله، وقبِل فريق العمل التّحدّي، وفي اليوم الموالي اجتمعنا في موقع الحفل، وواجهتنا المفاجأة الأولى: كنا بحاجة إلى 800 متر من الشاشات وأنظمة كهرباء متطورة لدعمها. بالإضافة إلى ذلك، تطلب الأمر توسيع المسرح إلى 16 مترًا، مما أجبرنا على إعادة توزيع القاعة وإزالة عدد كبير من الطاولات وتخفيض عدد الدعوات.

ورغم كون تصميم العروض المرئية الجانبية يتطلب دقة عالية ووقتًا طويلاً لا يقل عن شهر إلا إنه بفضل كفاءة السيدة إخلاص وبراعتها، تمكنا من إجراء التعديلات الضرورية وتجهيز الشاشات قبل يوم واحد من الحفل. وعندما اكتملت التحضيرات، أبهرت القاعة بحلتها الجديدة الجميع، وأضفت لمسة سحرية على العرض، مما جعل الحفل تجربة ثقافية فريدة تتلألأ فيها لمسات الإبداع والتفاني.

} أنت متّهم بالتّكسّب من الثّقافة وصناعة التّفاهة والعروض الثّقافيّة المبهرجة البعيدة عن جوهر الثّقافة.. فما ردّك على هذه الاتّهامات؟

-بالفعل منذ إقامة الحفل، واجهت وابلًا من الانتقادات التي أعتبرها علامة على نجاحي، حيث تدل على أنني بدأت في هزّ الأفكار البالية وتحريك المياه الراكدة، فرؤيتي ترتكز بالأساس على تعزيز الثقافة وتجديد أساليب تقديمها، لكن مع الالتزام بإضافة قيمة حقيقية تمزج بين الفن والجمال. ورغم الجدل الذي يثيره ظهوري، إلا أني أعتقد أن الأصوات الداعمة تفوق بكثير الأصوات المنتقدة التي تخشى الخروج من خندق النمطية.

أما بالنسبة لاتهامي بالتكسّب من الثقافة، فهو غير صحيح البتة، فأنا أستثمر في تقديم محتوى ثقافي يلامس اهتمامات الجمهور، رغم التكاليف المترتبة على ذلك، إيمانا مني بتزايد الحاجة لإعادة التفكير في كيفية إيصال الثقافة في ظل التغييرات العميقة التي يشهدها العالم وهو ما حتم علينا تبني أساليب مبتكرة تتماشى مع تطلعات هذا العصر، بعيدًا عن القوالب التقليدية، من أجل جذب انتباه الشباب وإلهامهم.

} ما المشاريع المستقبليّة التي تخطّط لها بشكل عامّ في مجال الكتابة؟ وما خططك لتطوير مشروع «شخصيّات معاصرة» على وجه الخصوص؟

-بالطّبع، مشروع «شخصيّات معاصرة» مستمر يتطوّر مع الوقت، ونحن بالفعل بصدد التّحضير للنّسخة الثّالثة منه. في الوقت الحالي، نتلقّى عروضًا من جهات مهمّة لرعاية النّسخة المقبلة، لكنّنا ننتظر اتّخاذ قرار نهائيّ بشأن مكان إقامة الحفل، سواء في قطر أو خارجها، وسيكون لهذا القرار تأثير كبير على تنظيم المشروع وتوسيع نطاقه.

أحد التّوجهات الجديدة الّتي أعتزم تنفيذها هو التّعاون مع كاتب مساعد، فهذا التّعاون يهدف إلى تقديم أفكار جديدة وتحدّي المفاهيم السّائدة في مجال الثّقافة، ويعزّز من جودة المحتوى وتوسيع نطاق التّغطية الثّقافيّة للمشروع. أؤمن أنّ هذه الخطوة ستفتح المجال لمن يأتي بعدي لتبنّي هذا النّهج المبتكر وتعزيز الثّقافة بطرق جديدة ومؤثّرة.

بالإضافة إلى ذلك، ندرس فكرة إنشاء جوائز سنويّة للمشروع مع نظام تصويت يتيح للجمهور التّفاعل بشكل أكبر مع المـــــشروع بهدف تعزيز الاهتمام بالنّســــخة القـــــادمة من خلال زيادة التّفاعــــــل والتّواصل مع الجمهور، مما يمنح المــشروع بُعدًا تفاعليًّا جديدًا.