يعلم كل العالم، علم اليقين، أن ما يقوم به الكيان الصهيوني، ضد الدول العربية، هو مخالف لجميع المواثيق الأممية، والقوانين، والأعراف الدولية. ومع ذلك يصمت الغرب؛ فلا يحرك ساكناً، أو يأخذ موقفاً حاسماً، ولا رادعاً؛ وكأنه فقد إنسانيته؛ فأُقر شريعة الغاب، وارتضى عربدة الاحتلال البغيضة في المنطقة؛ ليضعها فوق صفيح ساخن!. وغض الطرف عما يقوم به الصهيوني المتطرف «نتانياهو»، واستفزازاته، وتهديداته الأخيرة، بقوله: «لا يوجد مكان لا تستطيع يد إسرائيل الطولى الوصول إليه»!. وليثبت بأنه ماضٍ حتى النهاية، في ممارسة هوايته بالقفز فوق أشجار الشرق، وتنفيذ سلسلة من الاغتيالات لرموز المقاومة الإسلامية.
وقد بدأها في طهران، بالقائد إسماعيل هنية - رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خلال مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ثم الزعيم التاريخي لحزب الله - السيد حسن نصرالله، بالضاحية الجنوبية لمدينة بيروت اللبنانية، وغيرهما من القيادات. وكلها محاولات –كعادته- من رئيس الحكومة الصهيونية لتحسين صورته في عيون الرأي العام الإسرائيلي.
عام مضى تقريباً على معركة «طوفان الأقصى»، وبنك أهداف «نتانياهو»؛ قد أفلس!، وفشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتصفية حركة «حماس»، وفي السيطرة العسكرية، والأمنية على كامل قطاع غزة؛ وحتى استعادة الأسرى الإسرائيليين أخفق فيها!. وجميعها قد شكلت ضغوطا في داخل الكيان الصهيوني، من جانب أهالي الأسرى، وارتباك وتخبط في المشهد السياسي.
وقد استنفد «نتانياهو» كل أوراقه،بما فيها الوقيعة والمواجهة بين إيران والغرب وأميركا؛ إلا أن الحسابات الغربية والأميركية، المختلفة عن مصالح «نتانياهو»؛ لا تميل إلى توسيع دائرة الصراع، وخاصة الجانب الأميركي، وهو على أبواب انتخابات رئاسية مقبلة. والانشغال مع الحلفاء الغربيين بالحرب الأوكرانية، وما تستنزفه من مساعدات في حربها مع روسيا. وفضلاً عن ذلك، فإن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الجمهورية اللبنانية، تسبب في شرخ أوروبي، وقادت فرنساً جبهة أوروبية، ضاغطة على الإدارة الأميركية؛ لتمارس ضغوطها على الكيان الصهيوني، وإجباره على خفض مستوى التصعيد.
ولذلك جاءت دعوات خفض التوترات، وعدم التصعيد العسكري، والمطالبة بضبط النفس؛ لتجنب وقوع حرب شاملة بالمنطقة؛ ولكن دون أن يعني ذلك التخلي عن التزاماتهم الثابتة تجاه مساندة، ودعم، الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر، ومفتوح على كافة الأصعدة والمستويات، وبما فيها الإمدادات العسكرية، والتسليح في مواجهة أي تهديد وجودي يتعرض له. وقد جاء ذلك على لسان الكثيرين من القيادات في الغرب، ومنهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن؛ الذي أكد في أكثر من مناسبة بقوله: «إن الولايات المتحدة ستواصل الدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات». ولكن في المقابل؛ فهم لا يهتمون بتحجيمها، ولا ردعها؛ عندما تبادر بالاعتداء على الآخرين.
وتكشف ازدواجية معايير الغرب، وكأنه يناقض نفسه!، ففي الوقت الذي يتغاضى فيه، إن لم يكن داعماً لعمليات الاغتيالات؛ التي يقوم بها الكيان الصهيوني المُحتل لرموز وقيادات المقاومة الإسلامية في المنطقة. وعندما يأتي إعلان عن حق الرد، تثور ثائرة القوى الإمبريالية الغربية، ويدعو للتراجع عن الرد، والخروج من منطق الانتقام. بل وأحياناً كثيرة التحذير من العواقب المدمرة على المنطقة؛ والتي لن تصب في مصلحة أحد. وكأن الاحتلال الإسرائيلي فوق كل القوانين والأعراف الدولية، تجعل جرائمه ضد الإنسانية مقبولة، ومحصنة؛ بينما ممارسة الآخرين لحقهم في الرد؛ والذي كفلته لهم المادة «51»، من ميثاق الأمم المتحدة، يضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية.
ويخطئ، من يظن أن الغرب حريص على أمن الشرق الأوسط؛ وهو الذي لم تؤرقه، أو تحرك ضميره دماء مئات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين، والجرحى، ومعظمهم من الأطفال والنساء، والشيوخ؛ بقدر ما يشغله الصراع على الهيمنة الجيوسياسية في المنطقة، والحفاظ على المصالح الغربية والأميركية؛ التي باتت مهددة، مع اهتزاز مكانة أميركا العالمية. وذلك في ظل تغير موازين الردع؛ ولا سيما بعد أن أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لبلاده في (عام 2018م.) -عقب انتخابه لفترة حكم ثالثة-، الكثير من قوتها الدولية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وإن كانت روسيا لا تزال حتى الآن لم تقم بدورها كجبهة إسناد حقيقية وداعمة للدول العربية؛ لمواجهة الامبريالية العالمية.
وسوف يثبت التاريخ، أن القوى الامبريالية الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية؛ قد وقعت في الخطأ، ولا نقول -الخطيئة-؛ عندما فكرت في أن تستبدل استعمارها القديم بزراعة الكيان الصهيوني، والاعتماد عليه وكيلاً لها، للحفاظ على إرثها في مستعمراتها السابقة؛ وكان رهاناً خاسراً. ولم تفكر في بناء علاقات من الثقة والشراكات الاقتصادية، والمصالح المتبادلة مع دول المنطقة؛ التي تحقق المنفعة المشتركة. الأمر الذي فتح الباب أمام غريمها الآسيوي «الصين» ليملأ الفراغ؛ ويتقدم الرئيس الصيني شي جي بينغ، لطرح مبادرته «الحزام والطرق»، في (عام 2013م.). ولتبدأ مرحلة تنفض فيها المجتمعات العربية، غبار تلك القوى الامبريالية الغربية الاستعمارية.
وإذا كانت معركة «طوفان الأقصى»، كشفت الوجه القبيح للقوى الامبريالية الغربية، الداعمة، وبشكل يجعلها شريكاً للكيان الصهيوني، فيما يرتكبه من جرائم إبادة جماعية في فلسطين، ولبنان إلا أنه على الجانب الآخر، كشفت هشاشة الاحتلال الإسرائيلي؛ وأن عمليات الاغتيال الدنيئة التي يقوم بها «نتانياهو» لرموز وقيادات المقاومة الإسلامية - حالهم إذا سيِّدٌ منهم مات قام سيدٌ قؤولٌ-، لن تحقق الأمن للمستوطنين؛ بعد أن سقطت نظرية الردع؛ حتى وأن تحول من شرطي للمنطقة، إلى العربدة بغطاء غربي.Moiharby1968@yahoo.com