فتح اغتيال إسرائيل، الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الباب مشرعا أمام أسئلة ونقاشات عديدة في مقدمتها قوة الحزب وقدرته على الاستمرار بعد الاغتيال، ومآلات الحرب على لبنان، وخصوصًا احتمالات الحرب البرية، وكذلك احتمالات الانتقال نحو تصعيد إقليمي تنخرط فيه قوى أخرى من بينها إيران.

وشكّل إعلان إسرائيل عن اغتيال نصرالله خلال وجوده في اجتماع داخل ما عدَّه مقر القيادة المركزية لحزب الله صدمة كبيرة في لبنان، لا سيما أن الاحتلال يدعي اغتيال شخصيات قيادية كبيرة وعديدة تواجدت في نفس الاجتماع، وأن الاستهداف أتى بعد سلسلة اغتيالات قيادات عسكرية وميدانية وأمنية للحزب فيما بدا وكأنه استباحة كاملة له من قبل جيش الاحتلال. ما يمثل ذروة استهدافه حزبَ الله الذي أطلق «جبهة إسناد» لغزة، خصوصًا أنه يدعي تصفية الصف الثاني للحزب، وتحديدًا في الشق العسكري.

وإذا ما أشار كل ذلك لانكشاف أمني بالغ للحزب (المعروف بإجراءاته الأمنية المشددة) أمام «إسرائيل» مؤخرًا، وخصوصًا بعد «عملية البيجر» التي استهدفت بها الأخيرة المئات من كوادره وربما بعض قياداته، فإنها تؤكد سعي الاحتلال لإحداث فراغ قيادي فيه، لا سيما مع العدد الكبير من القيادات المستهدفة خلال مدة وجيزة جدًا.

فإذا ما أضيف لكل ذلك القصف الجوي العنيف، وتهجير المدنيين من الجنوب والضاحية، واستمرار الاغتيالات، وادعاءات الاحتلال بإضعاف الحزب عسكريًا، وخصوصًا فيما يتعلق بقدراته الصاروخية (التي لا نسلم بها)، يطرح الكثيرون علامات استفهام حول حالة الحزب الحالية، واحتمالات وقفه لجبهة الإسناد والخروج من المواجهة.

سيكون من المستبعد جدًا أن تعمد القيادة الجديدة للحزب (أيًا كانت كأشخاص) لوقف جبهة الإسناد وفصل مسارها عن معركة غزة، فهي – أي القيادة – ستكون أمام استحقاقات إثبات الذات، والتزام خط نصر الله، والثأر لاغتياله ورفاقه واستهداف المدنيين، ورفض منطق الهزيمة والانكسار، والحفاظ على شرعية وجود الحزب كقوة مقاومة، والتجاوب مع مطالب حاضنته بالانتقام والاستمرار.

ومن زاوية اخرى، فالحرب الجوية- على ضراوتها ووحشيتها- لا تحسم حربًا ولا تنهي مواجهة مع قوة مقاومة، والأهم أنها لن تعيد المستوطنين إلى مناطقهم في ظل المعطيات سالفة الذكر.

وفق هذه المعطيات، وفي ظل رفض نتانياهو وقْفَ إطلاق النار في غزة، وبالتالي في لبنان، تبدو الحرب البرية في جنوبه حتمية، بغض النظر عن حدودها بين التوغل المحدود، أو المنطقة العازلة، أو الغزو الواسع، ما يعني إطالة أمد الحرب وزيادة خسائرها وحالة الاستنزاف للاحتلال فيها.

رغم الضربة الكبيرة التي تعرض لها حزب الله فمن المستبعد جدًا أن تؤدي لخروجه من المواجهة، فقد كانت آخر كلمات أمينه العام أن «جبهة الإسناد لن تتوقف حتى يتوقف العدوان على غزة، مهما بلغت التضحيات»، كما أن الاحتلال أكد على أنه استهدفه؛ لأنه رفض فك الترابط بين جبهتَي غزة ولبنان، وهو خط يصعب على أي قيادة مستقبلية تجاوزه مهما كانت الظروف أو المسوغات المفترضة.

فيما يتعلق بدولة الاحتلال، فهي ترى أنها أمام فرصة تاريخية وغير مسبوقة للتعامل مع مجمل المخاطر والمهددات التي تواجهها.

لذلك تسعى «إسرائيل» لمواجهة وتقويض كل من يهددها واستهدفها، من المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي، للمقاومة اللبنانية، وفي مقدمتها حزب الله والجماعة الإسلامية، لأنصار الله/‏‏ الحوثيين في اليمن.

وعليه، سيستثمر نتانياهو وجيش الاحتلال الأسابيع المقبلة التي تسبق وتلي الانتخابات الرئاسية الأميركية بالحد الأقصى، ليس فقط بمنطق «البطة العرجاء»، واستغلال تراجع قدرة إدارة بايدن على الضغط عليه، ولكن أيضًا باستثمار دعم الأخيرة والعمل على رفع فرص دونالد ترامب في الفوز، بزيادة مستوى التصعيد في المنطقة. ولذلك فتهديداته للحوثيين في اليمن، والمجموعات العراقية، وكل من استهدف «إسرائيل» تبدو جدية، وليست مجرد تلويح.

في المشهد المقابل، تدرك القوى المذكورة بالتأكيد خطورة الوضع الحالي واستثنائيته، وشهية «إسرائيل» المفتوحة على العدوان، وأنها في مرمى التهديد الفعلي وليس فقط اللفظي، فضلًا عن ضرورة إسناد حزب الله لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه، ولذلك فقد زادت وتيرة ضرباتها في الأيام القليلة الأخيرة، ومن المتوقع استمرار هذا المنحى لديها، وهو ما يرفع من احتمال استهدافهم لاحقًا.

في خلاصة المشهد، فإن كل ما حاول حزب الله تجنبه بإبقاء مستوى ما لجبهة الإسناد حصل، لقياداته وكوادره وسلاحه ومناطقه وحاضنته والشعب اللبناني، فلم يُبقِ الاحتلالُ أمامه من خيارات سوى الرد ودفع العدوان.

وبنفس المنطق والقياس، فإن ما تحاول إيران تجنبه من التصعيد الإقليمي والحرب الشاملة التي يمكن أن تشارك بها الولايات المتحدة، قد تصبح مع الوقت واقعًا يفرضه نتانياهو ومن خلفه. ولعل نفس المنطق ينطبق على كامل المنطقة التي يراد إعادة رسم خرائطها، بالمعارضين أولًا، ثم بالساكتين وصولًا للداعمين.

لقد فتحت عملية «طوفان الأقصى» قبل ما يقرب من عام مرحلة جديدة في المنطقة بأسرها، وما زالت تداعياتها تتلاحق وصفحاتها تقلب، والخطر يواجه الجميع في ظل الخطط «الإسرائيلية»- الأميركية، وهو خطر معلن وقادم بتسارع لافت.{ الجزيرة نت