أعلنت فرنسا على لسان وزير الخارجية «جان نويل بارو» أنها تعمل بالتنسيق مع شركة الخطوط الجوية اللبنانية الوطنية «خطوط الشرق الأوسط» لإجلاء الرعايا اللبنانيين الراغبين في العودة إلى لبنان بسبب التصعيد الحاصل بين الجيش الصهيوني وحزب الله. وكانت الخطوط الجوية الفرنسة وشركة «ترانزافيا» للرحلات الاقتصادية قد أعلنتا عن إيقاف الرحلات من وإلى لبنان إلى يوم 8 أكتوبر القادم. كما أعلنت البحرية الفرنسية أنها أرسلت سفينة للتوقف قبالة السواحل اللبنانية احتياطيا في حال احتاج الأمر إلى ترحيل كل الرعايا الفرنسيين من لبنان حسب تصريح قيادة الأركان الفرنسية.
هذا الموقف الفرنسي الذي يقتصر على المساعدات الموجهة للرعايا الفرنسيين دون غيرهم اعتبره كثيرون موقفا انتهازيا لا يراعي العلاقات التاريخية بين بيروت وباريس. فقد اعتبرت فرنسا تاريخيا حامية لهذا البلد المشرقي الصغير الذي يعتبره المسيحيون المشارقة امتدادا طبيعيا للمسيحية الأوروبية من جهة الولاء والحماية والدعم.
لكن الموقف الفرنسي من حرب الإبادة في غزة كان موقفا متواطئا مع الاحتلال الصهيوني حيث وفر نظام الرئيس ماكرون كل الدعم العسكري والمادي والدبلوماسي والإعلامي للاحتلال. لم تراع فرنسا كذلك الإدانة الدولية للمذبحة والتي صدرت عن أعلى هيئة قانونية دولية ممثلة في محكمة العدل الدولية ولا الدعوات الشعبية والحقوقية الفرنسية.
لكن ما يحدث اليوم على الحدود مع لبنان إثر اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله وتقدم جيش الاحتلال نحو الحدود سيضع فرنسا في موقف محرج لأنها تعتبر حامية تاريخية للبنان. لن يقتصر القصف الصهيوني على القرى والمدن الشيعية بل سيطال كثيرا من المناطق المسيحية إذا تواصل القصف بالنسق الحالي وهو ما سيثقل من المسؤولية الفرنسية تجاه مسيحيي لبنان بشكل خاص واللبنانيين بشكل عام.
لا أحد يملك اليوم معطيات كافية عن الخطة الصهيونية في بلد الأرز فهل ستقتصر على نهر الليطاني وما وراءه كما صرّح بذلك المسؤولون الإسرائيليون لتمكين مستوطني شمال إسرائيل من العودة إلى ديارهم أم أن الأمر أبعد من ذلك بكثير؟
الثابت أن القوى الأوروبية بما فيها فرنسا تقف عاجزة أمام الغطرسة الصهيونية التي تستمد مصادر قوتها الأساسية من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. إن انحسار النفوذ الفرنسي في إفريقيا وتأثر مواقفها في مناطق نفوذها الأخرى في المشرق العربي سيؤثر سلبا على السياسة الفرنسية الخارجية هذا دون اعتبار ما تعيشه الطبقة السياسية في الداخل من صراعات وتنازع يؤثران بقوة على صورة فرنسا ووزنها الدولي.