لم يكن أحد يتوقّع قبل أسبوعَين أن تنقلب المعادلة بين إسرائيل وحزب الله بهذا الشكل الدراماتيكي. ففي وقت كان فيه الوسطاء يبحثون عن سبلِ سدِّ الفجوات بين إسرائيل وحركة حماس، بغاية التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة وإتمام صفقةٍ لتبادل الأسرى، تمكّنت إسرائيل من توجيه ضربة موجعة للحزب، الذي يمكن عدُّه أكبر تنظيم مسلّح في العالم. بدأ ذلك باستهداف أجهزة الاتصال اللاسلكي التابعة له، ثمّ باغتيالِ صفوةٍ من قياداته العسكرية العليا، وبضرب جزء غير يسير من مقدراته العسكرية واللوجستية، وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، يوم الجمعة، في غارة إسرائيلية غير متوقّعة على الضاحية الجنوبية لبيروت.

خلط ما تعرّض له الحزب من ضربات متوالية (غير مفهومة!) الأوراق من جديد، ووضع الإقليم على فوّهة بركان. ومن المرجّح أنّ دوائرَ صناعة القرار السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلية فوجئت بحجم الانكشاف الاستخباري الذي بدا عليه الحزب، وهو الذي استثمر مواردَ هائلةً في بناء منظومته العسكرية والأمنية وهيكلتها، بما يتساوق من ناحية مع أيديولوجيته المعادية لدولة الاحتلال، ومن ناحية أخرى مع ارتباطه المذهبي والسياسي العضوي بإيران.

من هنا، يمكن فهم نبرة التحدّي التي طبعت تصريحات ساسة ومسؤولين إسرائيليين بشأن الانتكاسة الاستخبارية التي تعرّض لها حزب الله. ومن ذلك ما صرح به رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو عن «خطّة منهجية إسرائيلية لتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط»، بما يعنيه ذلك من إعادة رسم التوازنات والتحالفات الإقليمية بما يخدم المصالح الإسرائيلية.يصعب التكهّن بما سيؤول إليه الهجوم الإيراني بالصواريخ البالستية على أهداف حيوية في إسرائيل، الثلاثاء الماضي. فطهران تدرك أنّ دولة الاحتلال تسعى إلى استدراجها إلى مواجهة شاملة، تستعيد بها قوّة الردع الإقليمي بعد الانتكاسة التي تعرّضت لها أجهزتها الأمنية والاستخبارية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023).

ولَّدت وقائع الأسبوعَين المنصرمَين قناعةً لدى النُخَب الإسرائيلية بأنّ حالة الارتباك التنظيمي والسياسي التي أصبح عليها حزب الله بعد اغتيال أمينه العام، تمثّل فرصةً ذهبيةً قد لا تتكرّر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، من خلال ضرب المشروع الإيراني في الإقليم، وتفكيك حلقاته الرئيسية في لبنان وسورية والعراق واليمن. وهو ما يُعَدُّ التحدّي الأكبر الذي سيكون على إيران مجابهته في ما سيفرزه الصراع من منعطفات في المنظور القريب.محمد أحمد بنيس

كاتب مغربيالعربي الجديد