بمناسبة الاحتفاء باليوم الدولي للمعلم، دعونا نتوقف عند تخصص تدريس الموسيقى الذي قد يراه البعض ترفًا أكاديميًا - وهو على خلاف ذلك.

من هذا المنطلق، يرى ياسين العياري، أستاذ الموسيقى في أكاديمية قطر- الوكرة، إحدى المدارس المنضوية تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، أن تدريس الموسيقى يعد وسيلة ناجعة لفهم وتكريس الهوية الثقافية والتاريخية وتعزيز الأواصر الاجتماعية؛ فمعرفة ثقافة أي شعب من الشعوب تمر بالأساس عبر مدى تجذر موسيقاه في الوعي الجمعي لأفراد مجتمعه، لا سيما فئة النشء والشباب.

والجدير بالذكر أن الاحتفاء باليوم الدولي للمعلم، الذي يصادف الخامس من أكتوبر من كل عام، يأتي تقديرًا للدور المركزي الذي يضطلع به المعلم في تنمية الأجيال وصقل المهارات والمعارف التي تبقى حجر الزاوية في تقدم البلدان والمجتمعات. فبالنظر لإسهام المعلم والتضحيات الجسام والجهود الجبارة التي يقوم بها، فإنه ليس من باب المبالغة القول إن دور المعلم لا يقتصر على نقل المعارف فحسب، بل يتعداه ليضطلع بمهام المربي والموجه والقائد في بناء المجتمعات وتشكيل مستقبل الأجيال.

وبحسب هذا الأستاذ، التونسي المولد، والحائز على شهادة البكالوريوس في علم موسيقى الشعوب من جامعة السوربون بفرنسا، فإنه ينبغي النظر إلى الموسيقى على أنها علم قائم بذاته، إلى جانب كونها فنًا وترفيهًا. إنها مجال واسع يُدرَّس من عدة زوايا، بما في ذلك النظرية الموسيقية وتاريخ الموسيقى وعلم الصوتيات، علاوة على التركيب الموسيقي. فالموسيقى تحتوي على مكونات منهجية يمكن دراستها وتحليلها بشكل علمي، إلى جانب كونها تجربة إنسانية وفنية تعتمد على الإبداع والتعبير عن المشاعر.

ودعا المتحدث إلى ضرورة الحفاظ على التراث الموسيقي القطري، مشيرًا إلى أنه منذ وصوله إلى الدوحة في سنة 2011، شرع في تدريس موسيقى الناي بأكاديمية قطر للموسيقى، قبل أن يصبح لاحقًا رئيس قسم الموسيقى العربية بذات الأكاديمية. وفي سنة 2019، انتقل للعمل في مدرستين تعملان تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، وهما على التوالي مدرسة طارق بن زياد، التي تعتمد منهج البكالوريا الدولية، و«أكاديميتي» التي تعد المدرسة التقدمية الأولى من نوعها في قطر.

وفي شهر سبتمبر المنصرم، انتقل إلى العمل في أكاديمية قطر - الوكرة.

وأوضح الأستاذ العياري، الذي يحضر حاليًا لنيل درجة الدكتوراه في مجال الموسيقى المحلية بجامعة السوربون الفرنسية، أن المنظومة التعليمية لمؤسسة قطر تتيح له مساحات تتسم بالخلق والابداع، مضيفًا أنه بفضل التكامل والانسجام الذي يميز منظومة مؤسسة قطر، فإن تدريسه الموسيقى في أربع مدارس تابعة للمؤسسة كان يعطيه الانطباع بأنه لم يغادر عمله إلى وجهة جديدة أو مختلفة، مستطردًا بأن كل تجربة خاضها على صعيد مدارس مؤسسة قطر كانت لها خصوصياتها وقيمتها المضافة.

وقال إنه يحرص على نقل معارفه وشغفه بالموسيقى، لا سيما تلك المتعلقة بالموروث الثقافي والفني القطري، إلى النشء الصاعد. واعتبر ان مؤسسة قطر تعد بمثابة عائلته التي تتفهم تطلعاته الموسيقية. في هذا الصدد، أشار إلى أنه اشتغل على مجموعة من الأغاني الموسيقية القطرية، ضمن مبادرة «أهازيج»، بالتعاون مع قسم المبادرات الاستراتيجية في التعليم ما قبل الجامعي - وهو المشروع الذي أثمر إعادة توزيع العديد من هذه الأغاني بدقة وتسجيلها باحترافية عالية، وذلك بمشاركة طلاب من مدارس مؤسسة قطر.

وأشار العياري إلى أن مشروع «أهازيج» كان قد رأى النور في مدرسة طارق بن زياد، ثم اعتمدته «أكاديميتي»، ولاحقًا أكاديمية قطر - الوكرة، مضيفًا أن هذا المشروع أخذ منحًى آخر مكنه من الانتشار على الصعيد الوطني بعد احتضانه من قبل منصة «راسخ»، التي تهدف إلى مساعدة الطلاب على إنشاء روابط جديدة بين مختلف المعارف والقضايا العالمية والمحليّة، مع الحفاظ على الدّين والهويّة والتّراث واللّغة العربيّة والاعتزاز بها.

بخصوص تجاوب الطلاب مع الإقبال على المحتوى الموسيقي، أكد العياري أنهم يحبون الموسيقى والفنون. هم في حاجة فقط إلى تأطير قائم على التجاوب وإيصال المعلومة بشكل تفاعلي يثير شغفهم، موضحًا أن ربط الموسيقى التراثية بالهوية الثقافية والحضارية للطلاب من شأنه تعزيز شعورهم بالفخر والانتماء المتجذر إلى بلدهم.

وأبرز أن «اتباع خطوات عملية تجمع بين التعلم والتسلية كلها عوامل تحبب الطلاب في موروثهم الموسيقي».