تصريحات رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، اليومين الماضيين، ترقى إلى أن تكون إنذارا بإطلاق عملية عسكرية لدخول العاصمة وإسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة. فقد بدا باشاغا أكثر ثقة في تبريره للعنف بعد تأكيداته المتكررة أن دخوله للعاصمة سيكون سلميا، فقوله إنه لن يكون المسؤول عن الدم الذي سيراق، وإن من يتحمل الوزر هو رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ليس لمجرد التهديد والترهيب، بل قد يكون بمثابة التحذير الأخير.الاستعراض الكبير للقوات المناصرة لباشاغا في مصراتة يشير إلى تحول ملحوظ في مواقف بعض المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية في المدينة، واستمرار التعبئة التي يقع مركزها في العزيزية، نحو 30 كم جنوب غربي العاصمة والمناطق القريبة منها، يشكل حافزا كبيرا لـ باشاغا للتحول عن موقفه السلمي واللجوء إلى القوة للنيل من غريمه.على مستوى الأطراف الإقليمية والدولية، والتي يعتبر موقفها حاسما في ما يتعلق بنشوب حرب في العاصمة أو السماح لباشاغا بشن هجوم كبير، فلم تظهر أي مؤشرات على اتجاه موقفها من التصعيد الراهن، ويمكن القول إن الموقف الإقليمي والدولي يكتنفه غموض لكن لا يمكن الجزم بأنه لصالح باشاغا أو دعم لهجوم يمكن أن يشنه على طرابلس.الأكثر فاعلية اليوم، ومنذ فشل الهجوم على العاصمة في أبريل 2019م، هو الدور التركي، وأنقرة لن تكون راضية عن عملية عسكرية تقوض نفوذها في الغرب الليبي أو تضعفه، وقد نشهد تغيرا في الموقف التركي من النزاع الحكومي الراهن إذا ضمنت أنقرة مصالحها.مثَّل تقارب أنقرة مع جبهة طبرق والذي تطور إلى زيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، للعاصمة التركية، ولقائه بالرئيس التركي رجب أردوغان، خطوة مهمة في ما يتعلق بتعزيز المصالح التركية في الشرق الليبي، وفي مقدمة تلك المصالح اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري الذي سيكون نافذا إذا أقره مجلس النواب، والمقابل ليس كبيرا بالنسبة لأنقرة إذا كان فقط دعم حكومة باشاغا.ما قد يحول دون تقدم أنقرة في هذا المسار هو غياب الضمانات الحقيقية التي تحول دون الانقلاب على اتفاق محتمل مع عقيلة صالح حول النفوذ الاقتصادي البحري، كما أن موقفا متقدما من جبهة طبرق-الرجمة على هذا المسار يعني إخراج القاهرة من المعادلة أو دفعها على هوامش الفعل في ليبيا وترجيح كفة أنقرة وتعظيم مصالحها في مسألة شديدة الحساسية بالنسبة لمصر وحلفائها الإقليميين، وهو ما لا يتصور أنه ممكن في الوقت الراهن.