قال القيادي بحركة «حماس» أسامة حمدان إن العالم اكتشف حقيقة أن إسرائيل عبارة عن «وحش ومنظومة احتلال»، وإن عملية «طوفان الأقصى» فرضت القضية الفلسطينية دوليا من جديد، فيما كشفت الولايات المتحدة، بدعمها تل أبيب، عورات النظام الدولي.

حديث حمدان جاء في مقابلة مع الأناضول بمدينة إسطنبول، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى أمس لهجوم «طوفان الأقصى» وبدء إسرائيل الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بدعم أميركي مطلق، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

واستهل حمدان المقابلة بالحديث عن مكاسب «طوفان الأقصى» بقوله: «بالنسبة لنا كفلسطينيين ذكرى طوفان الأقصى ذكرى مجيدة، لأن هذا اليوم الذي رأى العالم فيه قدرة المقاومة، على ضعف إمكاناتها، في إسقاط أهم فرقة في جيش الاحتلال (فرقة غزة) رغم كل إمكاناتها».

وفي 7 أكتوبر 2023 نفَّذت «حماس» عملية «طوفان الأقصى» بمهاجمة قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على «جرائم الاحتلال الإسرائيلي اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى»، وفق الحركة.

وأضاف حمدان: أستطيع أن أقول إن عملية طوفان الأقصى استطاعت أن تضع القضية الفلسطينية على الطاولة من جديد، وأن تفرضها على الواقع السياسي الإقليمي والدولي، بعد أن كادت أن تصبح نسيا منسيا.

وأكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أمن واستقرار في المنطقة ما لم يكن هناك دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ويحصل الفلسطينيون على حقوقهم.

وتابع: نجح طوفان الأقصى في أن يكشف طبيعة الكيان الصهيوني، بأن هذا الكيان أكثر هشاشة مما يظن كثيرون، وأنه كيان لا يمكن المراهنة عليه ولا مستقبل له في المنطقة.

وأيضا نجح طوفان الأقصى في أن يظهر أنها (فلسطين) قضية أمة بكاملها، بل هي قضية كل حر في هذا العالم.. كما أردف حمدان.

وزاد بأن كل الدعاية الإسرائيلية الرخيصة التي سوقت على مدى عقود طويلة لتضع إسرائيل في دائرة المظلومية والباحثة عن البقاء، ليكتشف العالم أن إسرائيل عبارة عن وحش ليس عنده أي قيم وأن صورة الديمقراطية هي صورة غير حقيقية وأنه لا منظومة قيمية سوى منظومة الاحتلال.

وكل هذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا طوفان الأقصى، وأعتقد أنه من المبكر أيضا أن نحكم على النتائج بشكل نهائي، لأن الاحتلال يوسع المعركة باتجاه لبنان وربما اتجاهات أخرى، ما يؤكد أن هذا الكيان هو عامل عدم الاستقرار والأزمة الدائمة في المنطقة، وفق حمدان.

وفيما يخص التحديات المقبلة، قال حمدان: أعتقد الآن أن (هناك) أكثر من تحدٍ، على الصعيد الوطني الداخلي هناك تحدي أساسي وهو كيف نعيد ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أساس المشروع الوطني الفلسطيني.

وأعرب عن اعتقاده بأن طوفان الأقصى نفض الغبار عن المشروع الوطني الفلسطيني الأساس، وهو مشروع التحرير والعودة.

وتابع: كيف نعيد ترتيب البيت الفلسطيني على أساس هذا المشروع.. هناك جهود تجري واتصالات ولقاءات، وربما الأسبوع القادم يكون هناك أيضا بعض اللقاءات الوطنية الفلسطينية.

حمدان زاد: هناك أيضا تحدٍ مهم جدا لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار، وهو كيف تتحمل القيادة الفلسطينية بشكل عام مسؤوليتها تجاه صمود الشعب الفلسطيني الذي صمد صمودا أسطوريا في هذه المعركة، رغم كل المعاناة والتضحيات لا يزال يتمسك بحقه وبأرضه وبوطنه، يرفض التهجير والاستسلام وينحاز إلى المقاومة.

واستدرك: لكن التحدي هو كيف تكافئ القيادة الفلسطينية بفعلها وبجهدها وبأدائها هذا الموقف الوطني للشعب الفلسطيني.

واستطرد: أيضا من التحديات المهمة كيف يتحول الموقف الدولي من قراءته لطبيعة إسرائيل المجرمة إلى موقف عملي ينهي هذا الاحتلال.

ازدواجية دولية

وبخصوص مواقف واشنطن ودعمها تل أبيب، قال إن ما جرى في طوفان الأقصى كشف أنه لا يوجد تعريف حقيقي للمجتمع الدولي، تبين أن الولايات المتحدة تهيمن هيمنة كامل على المؤسسات الدولية، وهي تحاول استخدام المؤسسات الدولية لتعزيز هيمنتها في هذا العالم.

وأردف: رأينا مسؤولا أميركيا (لم يذكره) ينتقد موقف محكمة الجنايات الدولية بطلب المدعي العام فيها إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي بنيامين نتانياهو ووزير حربه يوآف غالانت، فيقول إن هذه المحكمة أُنشئت لمحاكمة القادة الأفارقة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأكمل: هو لا يكتفي بأن يكون مهيمنا وإنما يتصرف بوقاحة، لم نكن نتوقع أن تكشف الإدارة الأميركية بسلوكها عورات النظام الدولي لدرجة أنه بات واضحا أنه لا يوجد نظام دولي مستقل.

واستطرد: أظن أن هذا نذير خطر شديد جدا على المستوى الدولي؛ لأن نُضج القناعة على المستوى العالمي بأن المنظومة الدولية فاشلة وغير قادرة على وقف العدوان والوحشية الإسرائيلية سيدفع الجميع للبحث عن منظومة بديلة وانهيار المنظومة الراهنة.

مواقف النخب

وردا على سؤال بشأن مواقف النخب الدولية، أجاب حمدان: أعتقد أن هناك حراكا داخل النخب، رأينا قطاع الطلاب والجامعات في أميركا مثلا، رأينا قطاع بعض النخب من الفنانين والأكاديميين في أوروبا يقفون في البداية حائرين تجاه هذا، ثم يعلنون موقفا مناقضا للموقف الأميركي وينتقدون السلوك الأميركي ويتحدثون عن إنهاء الهيمنة على المنظومة الدولية. وأضاف: أعتقد أن النخب اليوم بدأت تدرك أنه لا يوجد قانون دولي بالمعنى الحقيقي، وإنما يُستخدم القانون الدولي حيث يخدم مصالح معينة ويُهمل ويُلقى في سلة القمامة حيث لا يخدم هذه المصالح، ولذلك قلت إن نمو هذا الشعور وهذه القناعة لدى النخب من شأنه أن ينعكس سلبا على الموقف الأميركي والموقف تجاه المنظومة الدولية. وتابع: أعتقد أن النخب فاجأت أميركا ولم تفاجئنا نحن، كنا نعول مبكرا أن تستوعب هذه النخب طبيعة الصراع، أعتقد هذا من مكاسبنا في هذه المعركة أنه حصل استيعاب لطبيعة الصراع، وأن هذا احتلال وهذا كان صهيوني معتدي وأن الشعب الفلسطيني مظلوم وله حقوق ينبغي أن يحصل عليها.

وأردف: أن تصل النخب، لا سيما في الغرب، إلى القناعة بأن الإدارة الأميركية تهيمن على هذه المنظومة وتستخدمها لأغراض تناقض الأسس التي قامت عليها، هذا أعتقد أنه حصل بطريقة أسرع مما كنا نعتقد.

المرحلة المقبلة

وبالنسبة لتصورات حماس للمرحلة المقبلة، قال حمدان: اليوم هناك رغبة إسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية، يقتحم الجيش الإسرائيلي مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ويعتدي ولا يعبأ بوجودها.

واستطرد: اقتحم مدينة رام الله (وسط الضفة الغربية المحتلة) على بعد مئات الأمتار من مقر رئيس السلطة، يغلق قناة الجزيرة يفجر بوابتها، يقتحم المدن ويغتال مناضلين فلسطينيين من مختلف الفصائل ليس فقط حماس أو الجهاد حتى من فتح و(الجبهة) الشعبية.

وأكمل: الإسرائيلي يذهب باتجاه الإصرار على إلغاء الحقوق الفلسطينية، نحن نعتقد أن هذا السلوك لن يضعف إرادة المقاومة عند الشعب الفلسطيني، بالعكس هو سيزيد من استعداد الشعب الفلسطيني للتحدي، ورغم حرصنا على إنهاء هذا العدوان ليس أمامنا كفلسطينيين إلا أن نصمد في مواجهته.

وأعتقد أنه من تاريخنا الوطني الفلسطيني أن الصمود هو الذي سيقودنا إلى النصر، واليوم في وسط (مدينة) بئر السبع تقع (الأحد) عملية بطولية.. شاب يحمل سكين يهرب من أمامه الجنود المدججين بالسلاح، هو لم يطعن مدنيين هو طعن جنديين أحدهم في الاحتياط والآخر في الخدمة.

ولفت: قتل الجندي في الخدمة والثاني أصيب إصابات حرجة قبل أن يُطلق عليه (الشاب الفلسطيني) النار، هذا المنطق يكشف لك مسألتين، الإصرار الوطني الفلسطيني والإدراك الإسرائيلي أنه حالة احتلال، فلماذا يموت من أجل هذه الحالة.

رسالة لغزة

حمدان وجّه رسالة لأهالي غزة بقوله إن الشعب الفلسطيني الذي يعاني في غزة ويحاصر، هم أباؤنا وأمهاتنا وأبناؤنا وبناتنا وأشقاؤنا، نحن بذلنا على مدى هذا العام جهدا كبيرا للاستمرار في إدارة شؤونهم المدنية والحياتية والصحة والتموين وغيرها.

وتابع: مشروعنا هو وقف العدوان على قاعدة أن يحصل الفلسطينيين على حقوقهم، أن ينتهي الحصار وأن يُجرى الإعمار وأن يُعاد بناء غزة، سنواصل في هذا الاتجاه.

وأردف: في ذات الوقت نبذل كل جهد ممكن بالاتصال مع حكومات ودول على مستوى المنطقة العربية والإسلامية، وأيضا أطراف دولية للتخفيف من المعاناة الإنسانية لأبناء شعبنا وتوفير مستلزمات الحياة لهذا الشعب الذي لا زال صامدا رغم عام من العدوان، مع تأكيدنا أننا سنواصل الصمود والمقاومة حتى ينكسر هذا العدوان إن شاء الله تعالى.

كما وّجه رسالة للعالم العربي والإسلامي قائلا: رسالة أقولها من 3 بنود، الأول لا شك أن أمتنا على الصعيد الشعبي بشكل كامل وجزء من الصعيد الرسمي قدمت ودعمت وأسندت غزة ومقاومتها والقضية الفلسطينية خلال هذا العام، إسناد كبير وكبير جدا، وهو إسناد مقدر منا ومن شعبنا ونحن نشكرهم عليه.

وزاد: النقطة الثانية رغم كل هذا الإسناد نقول إن العدو لا زال مستمرا في العدوان، وبالتالي نحن بحاجة أن يستمر هذا الإسناد وأن يتطور ليكافئ حجم العدوان وطبيعته، مع تقديرنا وقناعتنا أن الاحتلال لن يتوقف عند حدود فلسطين، واليوم ها هو يعتدي على لبنان وغدا ربما يعتدي على دولة ثالثة إذا ظن أن الأمة لن تقف في وجهه.

وتابع:»أقول بكل وضوح إذا شعر الإسرائيلي أن الأمة تتحرك من أجل مواجهته لا أقول سيتراجع (بل) سينكسر، شهيد تركي ينفذ عملية طعن.. الشهيد حسن (سكالانين) نفذ عملية طعن في القدس (أبريل/‏ نيسان 2024) كانت لها تداعيات كبيرة جدا في إثارة حال من الخوف والرعب لدى الاحتلال، لأنه في النهاية هو يدرك تماما أن هذا الشهيد ينتمي إلى شعب له تاريخه الطويل في حماية الإسلام والدفاع عنه، وبالتالي ماذا لو اتسعت الدائرة«.

أما النقطة الثالثة نقول للذين يراهنون على الكيان، ونحن نعلم أنهم لا يشكلون غالبية في أمتنا، نقول لهم: توقفوا عن هذه المراهنة، هذا الكيان غير قادر على حماية نفسه، لا مستقبل له في المنطقة، حسب حمدان.

وختم بأن خريطة المنطقة خلال عشر سنوات بإذن الله لن يكون فيها وجود الإسرائيلي، الذين يراهنون على إسرائيل هم يراهنون على تضيع مستقبلهم، الأولى والأجدر أن يراهنوا على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني لضمان مستقبلهم في المنطقة.