حين نتحدث عن غياب مفكر عربي كبير فنحن في حالة د. محمد عمارة الذي رحل الأسبوع الماضي عن دنيانا وعن مصر، رحمه الله، يصدق فيه كل كلمة تعريف بمكانته، وأول ما يأخذك المشهد في وفاته، هو حالة مصر وواقعها اليوم ثقافياً وفكرياً، وهنا إطلالة مهمة للغاية للتاريخ الثقافي لمصر، ودورها كقبلة فكرية معاصرة للوطن العربي، فمنذ انقلاب 23 يوليو 1952 عبر ثورة الضباط الأحرار في مصر، بدأ حصار إضافي للعقل الفكري لمصر، الذي وصل ذروته في عهد النظام الحالي وإن كان قد مهّد له في عهد مبارك.
وربما أن فكرة الصراع الأيديولوجي في الحركة الثقافية في مصر كان مستعراً قديماً كما أن التقاطعات التي فرضت على المثقف لعبت دوراً كبيراً، بين تقاطع يمكن التعايش معه للحد الأدنى للمعيشة ورحلة الحياة، وبين تقاطع يتحول إلى توظيف شرس من قبل النظام أو مواجهه، وهو في أكثر سوداويته اليوم، واستطاع د. عمارة رغم بيانه المصور ضد انقلاب نظام السيسي في 3 يوليو 2013، أن يستمر في شراكته الثقافية التي لو فَسحت له منابر لا تكفي لعرض خلاصات مؤلفاته.
خاصة أن وعي الجيل الجديد اليوم يحركّه الضجيج حول هذا الكاتب أو الرواية أكثر من القيمة المعرفية التي يحتاجها الوعي العربي المعاصر، ولو تأملنا في الجمهور الذي نعى د. عمارة وشرائحه، لوجدنا أن قلة من هؤلاء وعوا بالفعل أبرز خلاصاته الفكرية، وإنما حماسهم المحمود اليوم هو للمشاركة، في حالة التراحم العامة لقلم إسلامي مستنير وعميق، تفقد مصر التنوير والثقافة المعرفية بغيابه، جدولاً متدفقاً من روح الحوار، وعدم التسليم لثنائية التراث الديني أو حصيلة الفلسفة الغربية.
لكن الكثير شده فقط كون أن د. محمد عمارة رحمه الله، هو شخصية حوار مع اللائكية العلمانية، بغض النظر عن حجم هذه اللائكية التي أفهم من خلال فكر عمارة أنها ليست مواجهة تعبر عن رفضه للمفاهيم المدنية الإيجابية للحياة المعاصرة، ولا الدسترة ولا قيم الحقوق الفردية والجماعية للشعوب، كيف يكون ذلك؟
المفكر عمارة نفسه هو من أهم شخصيات بعث حركة الإحياء للسيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله وبقية الإحيائيين العرب، ولكن جدل عمارة كان عبر الفكرة الأخرى، وهي رفض البناء على الخلاصات الفلسفية الغربية كمسلمات عقلية، وخاصة نموذج توظيفها القاصر والسطحي من أقلام علمانية عربية تقليدية، تردد رفض مشاركة القيم الإسلامية والمعرفية في صناعة ثقافة الحياة الجديدة، ثم دمغ المجتمع العربي المؤمن بإيمانياته الوجدانية بأن هذا الإيمان هو مصدر أزمته.
وقد واجه الدكتور عمارة هذه الحملة بلغة الفكر والثقافة والشراكة معاً، حيث نحتاج بصورة دائمة إلى التجسير الفكري، وخاصة أن الحالة العلمانية ليست واحدة، كما أن الحالة الفكرية الإسلامية ليست واحدة، وفي هؤلاء وهؤلاء كتل متطرفة وموظفة لصالح الاستبداد العربي، وهل هناك نموذج صارخ في ذلك أقسى من أحداث 30 يونيو وما قبلها وانقلاب يوليو من سطحية وعي أسقطت حلم الثورة المصرية، وقد لعب توظيف المثقفين المصريين دوراً في ذلك، كما لعبت بقية اللحى المستترة بالدين توظيفها الآخر، باسم الفكرة الإسلامية.
وقد كانت الفكرة التنويرية يقظة في نفسه، ومنها مشاركته في طبعة الإسكندرية لكتاب خاطرت والمقدمة المهمة عن شخصية الأفغاني وخصومه، ومؤخراً فجّر د. عمارة موقفاً مفاجئاً حين كتب عن دور حواري نقدي، للدكتور طه حسين رحمه الله، مقابل الاستعلاء الغربي وفي مواجهة ارث التجريم لفكر الشرق المسلم، وهي هنا معادلة حرص عليها د. عمارة، في التفريق بين الخلافات الفكرية، التي تبعثها الصراعات الشخصية بين تكتلات دينية وعلمانية، كان ميدانها الأزهر أو الحركة الإسلامية، وبين فضاء الفكر الأصلي للمثقف العربي، حيث يبرز مدافعاً حراً عن معادلة المعرفة الإسلامية، أمام الاحتلال الكولونيالي الغربي لعالم الجنوب باسم الثقافة المدنية المزورة.
وللحديث بقيةبقلم: مهنا الحبيل
وربما أن فكرة الصراع الأيديولوجي في الحركة الثقافية في مصر كان مستعراً قديماً كما أن التقاطعات التي فرضت على المثقف لعبت دوراً كبيراً، بين تقاطع يمكن التعايش معه للحد الأدنى للمعيشة ورحلة الحياة، وبين تقاطع يتحول إلى توظيف شرس من قبل النظام أو مواجهه، وهو في أكثر سوداويته اليوم، واستطاع د. عمارة رغم بيانه المصور ضد انقلاب نظام السيسي في 3 يوليو 2013، أن يستمر في شراكته الثقافية التي لو فَسحت له منابر لا تكفي لعرض خلاصات مؤلفاته.
خاصة أن وعي الجيل الجديد اليوم يحركّه الضجيج حول هذا الكاتب أو الرواية أكثر من القيمة المعرفية التي يحتاجها الوعي العربي المعاصر، ولو تأملنا في الجمهور الذي نعى د. عمارة وشرائحه، لوجدنا أن قلة من هؤلاء وعوا بالفعل أبرز خلاصاته الفكرية، وإنما حماسهم المحمود اليوم هو للمشاركة، في حالة التراحم العامة لقلم إسلامي مستنير وعميق، تفقد مصر التنوير والثقافة المعرفية بغيابه، جدولاً متدفقاً من روح الحوار، وعدم التسليم لثنائية التراث الديني أو حصيلة الفلسفة الغربية.
لكن الكثير شده فقط كون أن د. محمد عمارة رحمه الله، هو شخصية حوار مع اللائكية العلمانية، بغض النظر عن حجم هذه اللائكية التي أفهم من خلال فكر عمارة أنها ليست مواجهة تعبر عن رفضه للمفاهيم المدنية الإيجابية للحياة المعاصرة، ولا الدسترة ولا قيم الحقوق الفردية والجماعية للشعوب، كيف يكون ذلك؟
المفكر عمارة نفسه هو من أهم شخصيات بعث حركة الإحياء للسيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله وبقية الإحيائيين العرب، ولكن جدل عمارة كان عبر الفكرة الأخرى، وهي رفض البناء على الخلاصات الفلسفية الغربية كمسلمات عقلية، وخاصة نموذج توظيفها القاصر والسطحي من أقلام علمانية عربية تقليدية، تردد رفض مشاركة القيم الإسلامية والمعرفية في صناعة ثقافة الحياة الجديدة، ثم دمغ المجتمع العربي المؤمن بإيمانياته الوجدانية بأن هذا الإيمان هو مصدر أزمته.
وقد واجه الدكتور عمارة هذه الحملة بلغة الفكر والثقافة والشراكة معاً، حيث نحتاج بصورة دائمة إلى التجسير الفكري، وخاصة أن الحالة العلمانية ليست واحدة، كما أن الحالة الفكرية الإسلامية ليست واحدة، وفي هؤلاء وهؤلاء كتل متطرفة وموظفة لصالح الاستبداد العربي، وهل هناك نموذج صارخ في ذلك أقسى من أحداث 30 يونيو وما قبلها وانقلاب يوليو من سطحية وعي أسقطت حلم الثورة المصرية، وقد لعب توظيف المثقفين المصريين دوراً في ذلك، كما لعبت بقية اللحى المستترة بالدين توظيفها الآخر، باسم الفكرة الإسلامية.
وقد كانت الفكرة التنويرية يقظة في نفسه، ومنها مشاركته في طبعة الإسكندرية لكتاب خاطرت والمقدمة المهمة عن شخصية الأفغاني وخصومه، ومؤخراً فجّر د. عمارة موقفاً مفاجئاً حين كتب عن دور حواري نقدي، للدكتور طه حسين رحمه الله، مقابل الاستعلاء الغربي وفي مواجهة ارث التجريم لفكر الشرق المسلم، وهي هنا معادلة حرص عليها د. عمارة، في التفريق بين الخلافات الفكرية، التي تبعثها الصراعات الشخصية بين تكتلات دينية وعلمانية، كان ميدانها الأزهر أو الحركة الإسلامية، وبين فضاء الفكر الأصلي للمثقف العربي، حيث يبرز مدافعاً حراً عن معادلة المعرفة الإسلامية، أمام الاحتلال الكولونيالي الغربي لعالم الجنوب باسم الثقافة المدنية المزورة.
وللحديث بقيةبقلم: مهنا الحبيل