+ A
A -
محمود الحنفي كاتب ومحلل

في ظل الأزمات المتزايدة والتحديات التي تشهدها المنطقة خصوصا بعد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، ودخول المقاومة اللبنانية على خط المواجهة الجزئية أولا، ضمن جبهة إسناد، ثم قيام إسرائيل بعمليات تفجير أجهزة البيجر واللاسلكية، ثم القيام بعمليات عسكرية واسعة في جنوب لبنان والضاحية من بينها اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وقادة آخرين، وبعد اشتداد المواجهات العسكرية بين الطرفين ثم طلب نتانياهو من الأمين العام للأمم المتحدة بسحب قوات «اليونيفيل» من جنوب لبنان، تبرز مسألة تغيير ولاية هذه القوات، بما فيها تغيير مهمتها، كإحدى القضايا البارزة الآن وخيار من الخيارات لتسوية النزاع المسلح القائم حاليا.

تتولى هذه القوات مسؤولياتها ضمن إطار حفظ السلام في إطار القرار 1701. يثار التساؤل حول ما إذا كان هناك حاجة لتحويل «اليونيفيل» من قوات حفظ سلام إلى قوات لفرض السلام، هذا التحول المُحتمل قد يؤثر بشكل كبير على الاستقرار في جنوب لبنان وحتى المنطقة، ما يستدعي تقييما دقيقا لكيفية استجابة المجتمع الدولي لهذه التطورات.

هل تتحول قوات «اليونيفيل» من قوات حفظ سلام إلى قوات فرض سلام؟

من المهم التفريق بين قوات حفظ سلام وقوات فرض سلام.

قوات حفظ السلام: عمليات حفظ السلام، مثل تلك التي تقوم بها قوات «اليونيفيل» في لبنان، تعتمد على مبادئ رئيسة تشمل موافقة الأطراف المعنية، وعدم التحيز، وعدم استخدام القوة إلا في حالات الدفاع عن النفس أو للدفاع عن الولاية. قوات حفظ السلام تشارك في أنشطة مثل إنشاء مناطق منزوعة السلاح، ومراقبة نزع السلاح، الحفاظ على النظام في المناطق المدنية، ومراقبة الانتخابات، وتقديم المساعدات الإنسانية.

قوات فرض السلام: عمليات فرض السلام هي عمليات عسكرية تقوم بها الأمم المتحدة لردع العدوان أو تحقيق أهداف محددة بوسائل عسكرية خالصة. هذه العمليات تتطلب قرارات قوية من مجلس الأمن، وقد تتضمن تدخلات عسكرية واسعة النطاق.

الوضع الحالي لقوات «اليونيفيل»:

تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701 (2006) الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان، بعد حرب دامت 33 يوما بين المقاومة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي. ويطالب القرار حزب الله اللبناني بالوقف الفوري لكل هجماته، وإسرائيل بالوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وبسحب كل قواتها من جنوب لبنان.

دعا القرار الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة «اليونيفيل» (يصل تعدادها إلى 15 ألف عسكري)، وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق. قوات «اليونيفيل» في لبنان تعمل ضمن إطار عمليات حفظ السلام وتحتاج إلى موافقة الحكومة اللبنانية.

إمكانية التحول إلى قوات لفرض السلام:

تحول قوات «اليونيفيل» إلى قوات لفرض السلام يتطلب تغييرات جذرية في استراتيجيتها ومهامها؛ يتطلب ذلك قرارا من مجلس الأمن الدولي يتضمن تفويضا واضحا لاستخدام القوة العسكرية لفرض السلام. حتى الآن، لم يتخذ مجلس الأمن قرارا بتحويل دور «اليونيفيل» إلى عمليات فرض سلام، كما أن هذا التغيير يتطلب موافقة الأطراف المعنية، وكذلك تغييرات في الإطار القانوني والسياسي لعمل القوات.

هل يتم تعديل مضمون القرار 1701؟ وهل تتغير قواعد الاشتباك؟

جدد مجلس الأمن في أواخر آب/‏ أغسطس 2024 ولاية قوات «اليونيفيل»، دون تغيير في ولايتها الجغرافية أو العملياتية، لكن هذا التجديد سبق التطورات الأمنية الخطيرة في لبنان التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في البحث عن موضوع تغيير ولاية هذه القوات.

تضغط الولايات المتحدة بقوة لتعديل مهام ودور القوات الدولية في مجلس الأمن، ملوّحة بقطع الدعم المالي عنها أو التوقف عن دفع مساهمتها في موازنة تمويل القوة، التي تبلغ 48 في المائة من التمويل العام.

تعتبر واشنطن أن القوة الدولية «فشلت» في تطبيق جميع بنود القرار 1701، وفي تنفيذ مهامها بشكل كامل، لا سيما المتعلقة بسلاح حزب الله، وأنه يتم منع «اليونيفيل» من دخول مناطق معينة ضمن نطاق عملها في جنوب لبنان لإجراء عمليات التفتيش بالتنسيق مع الجيش اللبناني. الموقف الأميركي يدعو إلى تغيير قواعد الاشتباك، وتحويل القوة من مجرد مراقبة الخروقات إلى قوة فاعلة في المنطقة، لكن باتجاه لبنان وليس إسرائيل.

أبلغت الحكومة اللبنانية موقفها الرسمي وفي أكثر من مناسبة ببأنها مع الحفاظ على قوة «اليونيفيل»، وأنها مع تطبيق القرار 1701 دون تعديل لولايتها ومهامها وقواعد الاشتباك الخاصة بها، لضمان استمرارها في أداء دورها الحيوي، والذي هو حاجة إقليمية ودولية، ولكن في المقابل طالب نتانياهو الأمينَ العام للأمم المتحدة بسحب قوات «اليونيفيل» من جنوب لبنان فورا خوفا من تعرضها للخطر.

إن توتر الأوضاع في المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وكذلك مع إيران، قد يعقد مهمة «اليونيفيل» الحالية بشكل كبير، وقد يعقد مهمة البحث في تجديد ولايتها أو تعديل مهامها.

إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية المبذولة حاليا، من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، فإن نتائج المواجهة الكبرى بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي قد تترتب عليها تعديلات جوهرية، وقد تتحول هذه القوة إلى قوة لفرض السلام أو قد يتم حلها وسحبها. إن أي قرار جديد قد يصدر بهذا الخصوص سيتأثر حتما بموازين القوى التي ستنتج عن الصراع القائم حاليا.

copy short url   نسخ
16/10/2024
5