+ A
A -

في حياة الأمم والشعوب أيام مفصلية لا تُنسى، وسيبقى يوم الثلاثاء الخامس عشر من أكتوبر «2024» يوما مفصليا في تاريخ قطر، ليس ككل الأيام.

هذا اليوم سيبقى محفورا في عقولنا وقلوبنا، فهو من الأيام الخالدة التي ستؤسس لمستقبل أكثر إشراقا، كما سترسم مسارا واضحا للعمل الوطني، أساسه تعزيز قيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد مجتمعنا، الذي جُبل أفراده على القيم والأخلاق والتواضع، وهي الخصال التي لطالما كانت مصدر قوتنا وعزتنا وعزيمتنا.

هذه اللحظة المفصلية صنعها حاكم رشيد، آمن بأن علاقة الشعب بالحكم في قطر هي علاقة أهلية مباشرة، تقوم على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمشاركة الفعالة، والمؤسسات الشفافة الخاضعة للمساءلة، وقطاع عام يتصف بالكفاءة والفعالية، والوصول إلى المعارف والمعلومات والتعليم، والمساواة، والاستدامة، والمواقف والقيم التي تعزز المسؤولية والتضامن والتسامح.

بالأمس، وفي خطاب تاريخي سيكون نبراسا لنا وللأجيال، وضعنا حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لدى افتتاح سموه دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى، في صورة تغيرات بغاية الأهمية تتمثل في العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى، بعد أن انتهى مجلس الوزراء من إعداد مشروع تعديلات دستورية وتشريعية، بهذا الشأن، كان صاحب السمو قد كلفه بها في العام «2021» لتعزيز المواطنة المتساوية.

لقد أوضح سموه في خطاب الأمس، أن مبادرته بالدعوة إلى الانتخابات، تمت «على الرغم من تحفظ العديد من المواطنين المخلصين الذين رأوا أنه كان ثمة منطق معتبر في عدم تطبيق هذه الأحكام»، موضحا في حينه، أنها تجربة، و«سوف نراجعها ونقيمها ونستخلص النتائج منها. وقد قمنا بذلك واستخلصنا النتائج التي قادتنا إلى اقتراح التعديلات الدستورية».

لماذا العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى؟

غايتان لهذا التعديل أوضحهما صاحب السمو في كلمته:

الحرص على وحدة الشعب

وهذه نقطة في غاية الأهمية أوضحها صاحب السمو بأننا «كلنا في قطر أهل. والتنافس بين المرشحين للعضوية في مجلس الشورى جرى داخل العوائل والقبائل، وهناك تقديرات مختلفة بشأن تداعيات مثل هذا التنافس على أعرافنا وتقاليدنا ومؤسساتنا الاجتماعية الأهلية وتماسكها. إذ يتخذ طابعا هوياتيا لا قبل لنا به وما قد ينجم عنه مع الوقت من ملابسات نحن في غنى عنها. لقد بينت التجربة القطرية أن الجوانب الإيجابية في مؤسساتنا الأهلية لم تكن عائقا أمام التطور، بل عاملا مساعدا فيه، وشكلت قاعدة راسخة مكنتنا من الجمع بين أصالتنا وحداثتنا».

المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات

وفي ذلك قال سموه: المساواة أمام القانون وفي القانون أساس الدولة الحديثة، وأيضا واجب شرعي وأخلاقي ودستوري. إنه العدل الذي أمرنا الله به، ولا نقبل بغيره. قال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل».

لمجتمعنا سمات خاصة، حيث يعتبر شعبنا من أكثر الشعوب وفاءً واحترامًا للآخرين، وهو يتميز بالوفاء والاهتمام بأفراد الأسرة، ويسعى دائمًا للحفاظ على التقاليد الأسرية والقيم الاجتماعية، كما يعتبر التسامح والاحترام المتبادل أمرًا أساسيًا فيه، وقد انعكس ذلك في توجه قطر نحو تعزيز التفاهم الثقافي والديني والسلام العالمي.

وكما أوضح صاحب السمو فإن «الامتحانات العسيرة التي عبرناها سويا بفضل إيماننا وصمودنا ووعينا لوحدة مصيرنا. وأستعيد فرحنا بالإنجازات وبابتسامات أبنائنا وبناتنا، متنبها لمسؤوليتنا عن مستقبلهم. وتتعزز قناعتي بأنه لا بديل عن الجمع بين الإرادة الصلبة والحكمة، وبأن قيمنا وأخلاقنا وتواضعنا وحبنا لوطننا هي مصادر قوتنا ومبرر ثقتنا بالمستقبل».

لقد قيض الله لقطر حاكما عادلا رشيدا، والرشد هو الاستقامة، والهداية، وإصابة الحق والصواب، لذلك نحن على ثقة تامة بأن هذه التعديلات هدفها شيء واحد هو إثراء تجربة الشورى، وتمكين هذا المجلس من القيام بمسؤولياته على أفضل وجه، وكما قال سموه، حفظه الله، فإن «أعضاء مجلس الشورى الكرام، لم يعينوا أو ينتخبوا، إلا ليناقشوا القوانين وأعمال السلطة التنفيذية بتجرد عن المصالح الخاصة والجزئية وبحكمة وعقل راجح، ويقدموا التوصيات للأمير. وأنتم تقومون بذلك على أكمل وجه، وهذا لا يتغير بتغير آلية اختيار أعضاء هذا المجلس».

لقد حرص صاحب السمو على مشاركة أبناء شعبه الوفي في القرار، عبر طرح التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، بعد مناقشتها في مجلس الشورى، وفي ذلك تعزيز للمشاركة الشعبية في الشأن العام، وفق أكثر الممارسات شفافية، ودعوة سموه جميع المواطنين والمواطنات للمشاركة فيه، تأكيد على المبدأ الحقيقي للشورى، قال تعالى: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون».

في خضم الاستعداد لهذه المرحلة المفصلية الهامة، قدم صاحب السمو ما يثلج الصدور عن وضعنا الاقتصادي، حيث واصل الاقتصاد المحلي النمو خلال العام 2023، وتشير التقديرات إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة 1.2 %، مدعوما بنمو القطاع الهيدروكربوني بنسبة 1.4 %، والقطاع غير الهيدروكربوني بنسبة 1.1 %.

كما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة نمو الاقتصاد المحلي ستبلغ 2 % بنهاية العام الجاري، على أن ترتفع مــعدلات النمو خلال المدى المتوســـــط 2025 - 2029، لتصـــل إلى 4.1 % سنويا بدعم من التوسع في مشاريع إنتاج الغاز، ومشاريع الصناعات التحويلية، ومبادرات استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، في حين واصل معدل التضخم الانخفاض خلال العام الجاري، حيث بلغ 1.4 % حتى نهاية شهر يوليو، في حين بلغ 5 % و3 % خلال العامين 2022 و2023 على التوالي، ما يعكس نجاح السياسات المالية والإجراءات التي طبقتها الدولة لضمان استقرار سلاسل الإمداد وتوفر السلع الأساسية وضبط الأسعار. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى استقرار معدل التضخم خلال المدى المتوسط عند مستوى 2 %.

ولم ينس صاحب السمو قضية فلسطين والعدوان على لبنان الشقيق، وفي هذا الإطار جدد مواقف قطر الثابتة من القضية الفلسطينية التي هي في مقدمة أولوياتنا، مشيرا إلى مرور عام على «العدوان الوحشي على أهلنا في غزة والضفة الغربية.. عام من التدمير وجرائم الإبادة الجماعية في ظل استمرار عجز وتقاعس المجتمع الدولي عن وقف هذه الحرب البشعة، التي انتهكت كافة القيم التي تجمع الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية والشرائع الدينية. وتستغل إسرائيل فرصة تقاعس المجتمع الدولي وتعطيل مؤسساته وإحباط قراراته، لتنفيذ مخططات استيطانية خطيرة في الضفة الغربية، وراحت توسع عدوانها إلى لبنان». وأكد سموه، حفظه الله، أن «قطر تبذل جهودا مكثفة مع شركائها لوقف إطلاق النار، وقد نجحنا في التوصل لاتفاق الهدنة الذي تم تنفيذه في شهر نوفمبر الماضي، وعلى الرغم من العقبات التي تعرقل جهود الوساطة فإننا مستمرون في بذل كل الجهد للوصول إلى اتفاق ينهي هذه الحرب، ويوقف نزيف دماء أشقائنا في فلسطين وإيصال المساعدات لهم، ويطلق سراح الأسرى والمعتقلين، على أن يكون ذلك تمهيدا لمسار سياسي يتجه نحو الحل العادل.

كما جدد سموه إدانته للغارات الجوية والعمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الجمهورية اللبنانية الشقيقة، والتي أودت بأرواح الآلاف من المدنيين وأدت إلى تهجير أكثر من مليون مواطن.

الخطاب السامي التزام في اتجاهين: حماية أعرافنا وتقاليدنا ومؤسساتنا الاجتماعية الأهلية وتماسكها، والعمل على كل ما من شأنه تقدم ورفعة وطننا الحبيب، والتزام راسخ بدعم القضايا العربية والإنسانية، وأولها قضية فلسطين التي هي محور كل تحرك قطري، من أجل تمكين شعبها الشقيق من الحصول على حقوقه المشروعة.

محمد حجي - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
16/10/2024
125