قبل موعدها بشهر تُلقي الانتخابات الأميركية بظلالها الكثيفة على الحياة السياسية والاقتصادية في فرنسا حيث سيكون لها تأثير عميق على السياسة الفرنسية وخاصة على الملفات الخارجية. يعود هذا التأثير إلى الحرب العالمية الثانية فمنذ تلك الفترة التي أنقذت فيها الولايات المتحدة أوروبا من الخطر النازي أصبح التأثير الأميركي قويا جدا في فرنسا وأوروبا بشكل عام. وهو تأثير لا يقتصر على مجالات الدفاع والطاقة والتبادل التجاري بل يشمل كذلك السياسة الخارجية والعلاقات الأوروبية.

خلال قمة حلف شمال الأطلسي الخامسة والسبعين التي عقدت في واشنطن الشهر السابع من هذه السنة أكد البيان الختامي على ضرورة تمتين الحلف الأطلسي الأوروبي ومراجعة أسسه في مواجهة التوسع الصيني في المحيط الهندي. كما أكد البيان على خطورة التقارب الروسي الصيني مع تطور العمليات في أوكرانيا واشتعال الجبهة الأوروبية الشرقية وهو ما يمثل خطرا على أوروبا من جهة وعلى المصالح الأميركية من جهة أخرى.

يضاف إلى هذا السياق الجديد الصراع الصامت بين الشركات الأوروبية والشركات الصينية من جهة أولى وهو الأمر الذي تكشفه التدابير الحمائية التي اتخذتها الشركات الأوروبية ضد السيارات الكهربائية الصينية أو ضد الهواتف الخلوية الصينية بالترفيع في الأداءات الجمركية دون أسباب واضحة. كما يظهر الصراع على جبهة أخرى بين الخيارات الاقتصادية والتجارية الأوروبية والأمريكية في مجال المناخ والطاقة والتكنولوجيا الرقمية خاصة.

هذه المعطيات وغيرها تكشف ما تكتسيه الانتخابات الأميركية من أهمية بالغة في باريس اليوم مع كل المؤشرات السلبية للاقتصاد الفرنسي بسبب انفجار الدين الخارجي وتدخل الاتحاد الأوروبي ليضع الاقتصاد والمالية الفرنسية تحت إشراف ومراقبة المؤسسات الأوروبية.

إن وصول ترامب إلى الحكم من جديد سيعيد إلى السطح المواجهة الحادة مع السياسيين الفرنسين وهي التي طبعت كامل فترة حكمه السابقة. صحيح أن السياسة الفرنسية لا يمكن أن تخرج عن الإرادة الأميركية في ملفات عديدة خاصة بعد تراجع نفوذ التيار الديغولي الوطني منذ وصول ساركوزي إلى السلطة في2007 لكنها لن تسمح بتواصل تراجع دورها عالميا بعد النزيف الذي سببته الحرب في أوكرانيا.

لن يكون الصعود الأميركي الجديد وفي جانب كبير منه إلا على حساب المصالح الأوروبية عامة والفرنسية خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد وتفرد ألمانيا بقيادة أوروبا. كما أن تفاقم الأزمة الاجتماعية الفرنسية والتراجع الاقتصادي الكبير الذي تعرفه لن يسمح للقيادة السياسية المترنحة بدفع فاتورة النفوذ الأميركي عبر العالم وإلا فإنها ستعرّض نفسها إلى مخاطر داخلية غير متوقعة.

hnidmohamed@gmail.com -