تتواصل ردود الفعل المتفائلة على خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه خلال رعايته الكريمة افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الأول الموافق لدور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى، وذلك لما اشتمل عليه من توجيهات سديدة ورؤى جديدة تعلي مصلحة الوطن والمواطن، ويرسم خريطة طريق لمزيد من التقدم والازدهار حاضرا ومستقبلا.

لقد اعتدنا في خطابات سموه حفظه الله ورعاه أمام مجلس الشورى أن يبدأ بالشأن المحلي، ذلك لأنها دائما خطابات موجهة إلى شعبه التواق إلى معرفة ما يبديه قائده من توجيهات كي يتفاعل معها، ومن ثم الوقوف على ما يهم المواطن من أمور حياته، فنزل الخطاب أمس الأول بردا وسلاما على قلوب الجميع، إذ كانت البداية مع الشأن الاقتصادي ليبشرنا سمو الأمير حفظه الله ورعاه كعادته بقوة الاقتصاد ومتانته، وتحقيقه نموا في وقت تعصف فيه الأزمات العاتية باقتصاديات العالم، وبما أن لغة الأرقام هي الأصدق والأدق فقد حرص سموه حفظه الله أن يقدم بها تفصيلا لثمرات نجاح السياسة المالية، فذكر أن التقديرات أشارت إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة 1.2 % العام الماضي، مدعوما بنمو القطاع الهيدروكربوني بنسبة 1.4 % والقطاع غير الهيدروكربوني بنسبة 1.1 %، وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة نمو الاقتصاد المحلي ستبلغ 2 % بنهاية العام الجاري، على أن ترتفع معدلات النمو خلال المدى المتوسط 2025 – 2029 لتصل إلى 4.1 % سنويا بدعم من التوسع في مشاريع إنتاج الغاز، ومشاريع الصناعات التحويلية، ومبادرات استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، فضلا عن انخفاض التضخم إلى مستويات دنيا، وخفض الدين العام ليصل إلى ما دون 44 % من إجمالي الناتج المحلي بعدما كان 73 %.

أما الموضوع الآخر في الشأن المحلي الذي استحوذ على اهتمامات القطريين كان توجيه سموه بالعودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى ليحل محل النظام السابق وهو انتخاب ثلثي الأعضاء وتعيين الثلث، وهذا التوجيه بنظام التعيين لقي ترحيبا واسعا من أطياف الشعب القطري في مقدمتهم أعضاء مجلس الشورى أنفسهم، ذلك لأن تجربة الانتخاب أسفرت عن بعض الشروخ التي لا تنسجم مع هوية وخصوصية الشعب القطري المتماسك والمتكاتف، شروخ نحن كقطريين على قلب رجل واحد في غنى عنها، فارتأى قائدنا أن يجنب شعبه أي تجربة تخل بوحدته.

أما التعديلات الدستورية التي وجه بها سموه حفظه الله ورعاه فقد كانت مع العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى أملا يراود المواطنين، وها هو سموه حفظه الله تعالى يحققه لهم، إذ من شأنها الذي لا يختلف عليه اثنان تعزيز المواطنة القائمة على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والحفاظ على اللحمة الوطنية التي كانت وستظل دائما السياج الآمن لهذا المجتمع القائم على التكاتف الوطني.

وتقديرا بالغا من سموه لرأي المواطن وجه بإحالة التعديلات الدستورية إلى مجلس الشورى الموقر كي يتخذ بشأنها ما يلزم من إجراءات، ومن ثم طرحها للاستفتاء الشعبي، لتتعزز بذلك المشاركة الشعبية، القائمة على استشارة أفراد المجتمع حول القضايا التي تشغل بالهم وتضيء الطريق السليم الذي يهتدون به في السير نحو المزيد من الازدهار حاضرا ومستقبلا أكثر إشراقا.

الدولة الحيوية هي التي تجدد من تشريعاتها تبعا للمصلحة العليا، خصوصا وأن إيقاع الحياة أصبح أسرع مما سبق بأضعاف المرات بفعل التكنولوجيا الحديثة المتطورة، الحياة على المستويات المحلية والإقليمية والعربية والدولية تسير بوتيرة سريعة لم تكن معهودة من قبل، وتتطلب تجديد اللوائح والتشريعات تبعا لها، وإلا ستظل الدول التي لا تلقي بالا لهذا التغيير ثابتة مكانها لا تبرحه في عالم لم يعد يثبت على حال، فالحمد لله أن حبانا بقيادة حيوية نشيطة عينها على التغيير السريع في العالم وما يدور فيه، لاتخاذ ما يلزم من مواكبة طبيعة العصر، وإجراء تغييرات مدروسة وليست عفوية، بناء على خلاصة التجارب السابقة.

كما أكد سموه حفظه الله تعالى ورعاه حرص قطر على مواصلة التكامل مع دول مجلس التعاون، فمثل هذا التكامل يزيد الدول الأعضاء قوة وصلابة في مواجهة التحديات التي تشكل خطرا على المنطقة العربية والعالم أجمع، منتقلا إلى الحديث عن جرائم الإبادة الجماعية الممنهجة التي تمارسها إسرائيل ضد أشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة، والتنكيل بالأبرياء من أطفال ونساء وكبار السن الذين استشهد منهم ما يربو عن اثنين وأربعين ألفا، عدا ما يزيد عن مائة ألف مصاب بإصابات بالغة سببت إعاقة دائمة.

ندد سموه حفظه الله بتقاعس وعجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن ردع إسرائيل وإجبارها على وقف جرائمها في فلسطين ولبنان، فلم تعد تقيم وزنا للقيم الأخلاقية والأعرف الإنسانية والشرائع والأديان والقوانين الدولية، محذرا إسرائيل من أنها لن تهزم صلابة الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه المغتصبة وحقه في إقامة دولته الفلسطينية على أرضه كاملة السيادة.

ومن أجل حقن دماء الأشقاء في فلسطين ولبنان أكد سموه أن قطر مستمرة في مواصلة جهودها للتوصل إلى وقف هذا العدوان الهمجي على غزة، لأن وقف العدوان على غزة هو ما ينهي التصعيد العدواني على لبنان.

الخطاب في مجمله خريطة طريق وخطة جاهزة مكتملة لتحقيق المزيد من الرخاء والازدهار، وحافز للشعب القطري على التكاتف والعمل بروح الجماعة من أجل رفعة هذا الوطن الغالي الذي يعتز الجميع بالانتماء له والولاء لقيادته.