صحيح أن الأزمة الصحية التي ضربت العالم قد أربكت حسابات كل الدول ووضعتها في مواجه أخطر وباء عالمي في العصر الحديث لكن من جهة أخرى لكل أزمة وجهها الإيجابي الذي يتطلب البحث فيما يمكن للأزمة أن توفره من ظروف. صحيح أيضا أن الدول العربية تختلف في بنيتها ومواردها وقدراتها لكنه يمكن لكل دولة أن تستفيد من الأزمة بحسب حاجياتها وإمكانياتها.
أهم خصائص الظرف الجديد هو أن العالم الغربي خاصة منشغل بأزماته الداخلية وبتوفير الظروف الطبية والصحية الكفيلة بإبقاء النظام السياسي بعد الأزمة قائما والخروج بأخف الأضرار.
هذه الخاصية تجعل من الممكن للدولة العربية اليوم إن أرادت ذلك أن تقتحم مجالات لم يكن من السهل اقتحامها في السابق كما يمكنها إعادة ترتيب أوراقها الداخلية ترتيبا جديدا.
أول المجالات التي تتبادر إلى الذهن هي تلك المتعلقة بالتحرر من التبعية الطبية للخارج عبر تكوين قاعدة صحية صلبة تحقق عبرها اكتفاءها الذاتي. وهي قاعدة لا تكتفي بتصنيع الأودية والمستحضرات الطبية بل تشمل مشروعا صناعيا يختص في إنتاج كل المعدات الطبية الضرورية من أصغرها إلى أكثرها تعقيدا وهو الأمر الذي يشمل المخابر البحثية المتطورة في دراسة اللقاحات وتصنيعها.
ثاني المجالات يتعلق بإعادة هيكلة بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية لتكون أكثر قدرة وفعالية لتحقيق ما يسمى اقتصاد الأزمات الذي يجعل من الدولة قادرة عبر آليات خاصة على مواجهة الأزمات الكبرى الطارئة وبناء منظومة غذائية متكاملة من منتجات استهلاكية زراعية ونباتية وحيوانية لسدّ حاجيات السوق الاستهلاكية لمدة طويلة جدا.
ثالث المجالات تشمل وضع آليات لوجستية قادرة على التأقلم مع كل الظروف المناخية وتكون أشبه بشبكات الدعم خلال الحروب والكوارث الطبيعية وبناء منظومات اجتماعية وخدمية وتواصلية مستقلة عن بعضها البعض وعن الخارج وقادرة على التحرك بفاعلية وسرعة خلال الأزمات.
إن طبيعة الأزمة كشفت كذلك الدور الحساس للجمعيات الخيرية والمنظمات التعاونية والشبكات التضامنية وهو ما يدفع الدول إلى ضرورة إعادة النظر في دورها ودعمها بالإمكانيات الضرورية اللازمة لتخفيف المسؤولية على كاهل الدولة.
إذا من المبكر معرفة حجم الخسائر التي ستحدثها أزمة الفيروس العالمي وحجم التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب عنها فإنه من الضروري تبيّن الخطط ودراسة الإمكانيات التي تحتاجها كل دولة من أجل تحويل الأزمة إلى فرصة نجاح جديدة. كل الأزمات عبر التاريخ أعادت تشكيل المشهد بعدها وتمكنت دول بعينها من امتصاص الأزمة وتحويل ظروفها لصالحها وهو ما يجب على قوى الدولة الحية أن تستوعبه جيدا.
بقلم: محمد هنيد