+ A
A -
د. مهند مصطفى كاتب وباحث

يُعتبر اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حدثاً هاماً في تطور ومآلات العدوان على قطاع غزة.

ارتبطت عملية «طوفان الأقصى» في الذهنية الإسرائيلية بشخصية السنوار، وتحولت المطالبة بقتله إلى واحدة من أهم أهداف الحرب التي تهدف إلى القضاء على حركة حماس. فبالإضافة إلى أن السنوار، في العقل الإسرائيلي، هو صاحب فكرة «طوفان الأقصى» والمخطط لها، فإن هناك ثأراً شخصياً تجاهه من قبل العديد من القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي تم تحميله مسؤولية إطلاق سراح السنوار في عام 2011، إلى جانب عدد من قادة حماس البارزين، مثل صالح العاروري الذي اغتالته إسرائيل في بيروت.

مسألة الثأر والانتقام من السنوار ليست مجرد تفاصيل هامشية قبل معانيها السياسية، بل تحمل دلالات سياسية عميقة. فقد سعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للانتقام من السنوار نتيجة الخديعة الاستخباراتية الكبرى التي وقعت بها المخابرات الإسرائيلية والتي مهدت وسهلت تنفيذ عملية «طوفان الأقصى».

كما أن للمؤسسة العسكرية ثأراً مع السنوار الذي اخترق تحصيناتها العسكرية على الحدود في السابع من أكتوبر/‏ تشرين الأول، وقاد حركة حماس في غزة في مواجهة استمرت حتى الآن عاماً كاملاً دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من القضاء عليها، مما جعل هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل.

وعندما تحدث القادة الإسرائيليون عن مقتل السنوار، بدأت تصريحاتهم بلهجة انتقامية وثأرية. ومع ذلك ظل السنوار منيعاً على الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وقُتل في ظروف اشتباك غير مخطط لها؛ بسبب احتكاك غير مرتب مع قوة عسكرية إسرائيلية.

اغتيال السنوار، بغض النظر عن ملابسات وظروف الحادثة، يدخل ضمن مركبات إعلان النصر الإسرائيلي، سواء كان هذا النصر متخيلاً أو واقعياً. إذ إن حالة الاحتفالية (والتي يرافقها الشماتة) في المجتمع الإسرائيلي، تضغط على القيادة السياسية والعسكرية لتسهيل تصوير ما حدث كنصر حاسم.

أعتقد أن اغتيال السنوار سيكون بداية الإعلان عن نهاية الحرب على غزة من طرف إسرائيل. وهنا يجب التفريق بين إعلان نهاية الحرب، وبين الواقع الذي نتج عنها. فإعلان نهاية الحرب لا يعني انسحاباً إسرائيلياً من قطاع غزة، بل ستظلّ إسرائيل محتلة للقطاع، أو على الأقل مسيطرة عسكرياً وأمنياً على محاور ومناطق في القطاع، مثل محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، ومحور «نتساريم» الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، بالإضافة إلى السيطرة على حزام أمني داخل القطاع على طول الحدود مع قطاع غزة، وبالطبع الاحتلال الدائم لشمال قطاع غزة.

وفي هذا السياق، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة، ومحاولة تهجير السكان من الشمال إلى الجنوب، والإعلان عن الشمال منطقة عسكرية مغلقة، هي جزء من المركب في التصور الإسرائيلي لاقتراب الإعلان عن نهاية الحرب في قطاع غزة.

وهذا يعني أن إسرائيل تسعى لإعادة الواقع في القطاع إلى ما قبل 2005، أي قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

تستعجل إسرائيل فرض وقائع جديدة على الأرض في قطاع غزة، بدءاً بتشييد محور «نتساريم»، مروراً بالسيطرة على محور فيلادلفيا، وصولاً إلى السيطرة الكاملة على شمال القطاع، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، والتي من المتوقع أن تؤدي بعد انتهائها، وتشكيل إدارة أميركية جديدة، إلى أخذ هذه الإدارة زمام قيادة تغيير البيئة الإقليمية بأدوات مختلفة عن الأدوات الإسرائيلية (لا سيّما العسكرية)، مع انسجامها في أغلب الأهداف الإسرائيلية.

وبالنسبة لغزة، ستأخذ الإدارة الأميركية ملف اليوم التالي في غزة وتقوده، وسيكون شرط قيادة هذه الملفات هو وقف الحرب/‏العدوان على قطاع غزة، لذلك تحاول إسرائيل، فيما تبقى لها من وقت، فرض وقائع على الأرض لتكون جزءاً من اليوم التالي في غزة، ومحاولة فرضها على التصور الإقليمي الأميركي.

مقتل السنوار هو جزء من مركبات إعلان نهاية العدوان، وهذا ما ظهر من تصريحات أميركية وأوروبية، التي طالبت بوقف الحرب والتوقيع على اتفاق لتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة.

وهنا ندخل في الهدف الثاني من العدوان على غزة، وهو الأسرى الإسرائيليون. بعد مقتل السنوار، بدأت الأصوات تعلو مجدداً في إسرائيل بالمطالبة بتحقيق هذا الهدف؛ على اعتبار أن الهدف الأول قد تحقق أو بات على وشك التحقق وفق التقديرات الإسرائيلية.

لذلك سيزداد الضغط على نتانياهو في هذا الملف، فلم تعد له حجة يتهرب بواسطتها من استحقاقات هذا الملف، فقد نفذ عملية رفح واحتل محور فيلادلفيا، وفصل شمال القطاع عن جنوبه، وقتل السنوار، ولم تعد غزة تشكل تهديداً عسكرياً على إسرائيل على غرار تكرار عملية «طوفان الأقصى».

وأعلن الجيش مراراً عن هدم أغلب البنية التحتية العسكرية لحركة حماس، بل خرجت تصريحات عسكرية تشير إلى أنه تم هزيمة حركة حماس عسكرياً. لذلك بقي استحقاق الأسرى والرهائن الإسرائيليين.

تكمن معضلة نتانياهو أن مقتل السنوار لم يحل مسألة الأسرى والرهائن الإسرائيليين، فحركة حماس ليست شخصاً مهما كانت أهميته، وموقعه القيادي، وتأثيره. وفتح ملف مباحثات الصفقة سيفتح ملف الشروط التي تريدها حركة حماس، في ظل ضغط داخلي وخارجي لإتمامها، وفي ظل انتهاء مساحة الوقت التي استغلها نتانياهو قبل الانتخابات الأميركية، بل إن مقتل السنوار سيؤدي بحماس إلى التشبث بشروطها، بعد عودة هذا الملف كملف مركزي إسرائيلياً ودولياً وأميركياً.

سيحاول نتانياهو المماطلة مرة أخرى حتى إتمام مشروعه في شمال قطاع غزة، وفرض وقائع على تصور اليوم التالي لغزة.

copy short url   نسخ
22/10/2024
20