+ A
A -
سعيد الحاج كاتب فلسطيني

كان استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار ملحميا ساهم في ترسيخ اسمه كأسطورة وأيقونة للنضال الفلسطيني من جهة، ومثّل بالتأكيد مرحلة جديدة في معركة طوفان الأقصى، لكن السؤال الأهم الذي طرح نفسه هو ما إذا كان غيابه عن المشهد قد يساهم في وقف الحرب على غزة قريبا.

هذا الادعاء أو هذه القراءة، أي توقف الحرب بسبب غياب «مهندس الطوفان»، بُني على إحدى ثلاث فرضيات؛ الأولى، أن السنوار كان يرأس التيار المتشدد في حركة حماس بخصوص التفاوض وشروط وقف إطلاق النار.

تتجاهل هذه الفرضية، عن عمد، أن السنوار كان جزءا من القيادة التي فاوضت الاحتلال بشكل غير مباشر عبر الوسطاء منذ بداية العدوان على غزة، وأنه كان جزءا رئيسا فيها كقائد للقطاع أولا ثم للحركة لاحقا.. ولذلك فمن اللافت أن هذا الادعاء ورد على ألسنة المسؤولين الأميركيين (والأوروبيين) الداعمين لحكومة الاحتلال في حرب الإبادة التي تشنها على القطاع، وهم في تحميلهم مسؤولية الإخفاق في التوصل لاتفاق لحماس والسنوار تحديدا وإنكارهم رفض الاحتلال لها؛ إنما يستمرون في منح الأخير الغطاء السياسي للمضي في جرائمه.

وأما الفرضية الثانية المرتبطة بالأولى، فتدعي أن رحيل الرجل سيأتي بقيادة أوطأ سقفا منه وأقرب لتقديم تنازلات للاحتلال؛ ليس فقط في مسار التفاوض ولكن حتى ميدانيا. ويرى أصحاب هذه الفرضية أن القائد الجديد لحماس سينظر لمقتل السنوار على أنه الحلقة الأخيرة في سلسلة اغتيال القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة، إضافة للضربات والخسائر التي تعرضت لها الأخيرة على مدى عام من الحرب غير المتكافئة.

ويغيب عن هذه الفرضية أن موقف السنوار ليس مختلفا عن موقف القيادة الحالية لحركة حماس، وأن الأخيرة اختارته بالإجماع رئيسا لها بعد اغتيال هنية؛ ما فُهم على أنه غطاء سياسي للمعركة وتخندق كامل خلفه وخلفها.

وأما الفرضية الثالثة، التي تستشرف إمكانية وقف الحرب بعد استشهاد السنوار، فهي أن تغييب الرجل هدف كبير يمكن لنتنياهو تقديمه كصورة نصر تمكنه من النزول عن شجرة الحرب.. وهذه الفرضية كانت تكررت أصلا مع اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، ثم مع اغتيال رئيسه إسماعيل هنية، ثم مع اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وفي كل مرة أثبت الاحتلال أنه لن يكتفي بهذا «الصيد الثمين» وفق تعبيره لوقف الحرب.

صحيح أن ثمة اختلافا في حالة السنوار، لما يمثله رمزيا ومعنويا وفعليا كقائد لعملية الطوفان فكرة وتنفيذا، ورأس لحركة حماس في غزة ثم عموما، إضافة لقتله بعد عمليات الاغتيال المذكورة بما يمكن عدُّهُ ختما لسلسلة اغتيالات القيادة، إلا أن تصريحات الاحتلال لا تقول بذلك. لا يبدو أن استشهاد السنوار يعني قرب نهاية الحرب على غزة وفي المنطقة عموما، وإن شكّل محطة مهمة وانعطافة كبيرة فيها، ولذا، فسيصر نتانياهو على استمرار الحرب وتوسيعها قدر الإمكان، إذ لا يرى أن وقفها في المرحلة الحالية يمكّنه من ادعاء النصر.

copy short url   نسخ
22/10/2024
5