+ A
A -

ليس ما حدث في غزة شأنا عربيا ولا إقليميا بل هو شأن دولي وعالمي بامتياز لأن أسباب المجازر وتبعاتها ستطال الجميع اليوم أو غدا. أوروبا والدول الأوروبية لعبت دورا مركزيا في الجريمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني سواء عبر التعتيم الإعلامي أو عبر المشاركة المباشرة في الجريمة بالسلاح والجنود والمعدات.

حاولت دول الاتحاد بجهودٍ متفاوتة التغطية على هذه المشاركة وقد ساعدها في ذلك مناخ الحريات عبر المظاهرات التي غصت بها المدن الأوروبية دعما لنضال الشعب الفلسطيني. لكن آلة القمع سرعان ما فضحت مزاعم الحرية والعدالة والمساواة التي لم تكن غير شعارات براقة تخفي الوجه الاجرامي المتوحش للنظام السياسي الأوروبي في دعم المذابح والمجازر.

صحيح أن الإدارة الأوروبية لا تتحرك خارج الإرادة الأميركية لكن الدعم المفضوح للقتل والإبادة وعدم تنفيذ قرارات محكمة العدل وتجاهل الشعارات الحقوقية يجعل من دول الاتحاد الأوروبي شريكا مباشرا في الجريمة. فرغم جرائم الحرب الواضحة ورغم قصف المستشفيات والمدارس وعشرات آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين لا تزال المؤسسات الأوروبية عاجزة عن الإدانة الواضحة والعملية لجرائم الاحتلال في فلسطين.

تصدرت ألمانيا وبشكل غير منتظر قائمة الدول الداعمة وبقوة لجرائم الاحتلال حيث كانت أهم مصدّر للأسلحة التي يُقتل بها الشعب الفلسطيني. كما قمعت وبقوة كل المظاهرات والاحتجاجات الداعمة لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة. أما فرنسا فرغم الصحوة المتأخرة التي تحاول بها إدارة الرئيس ماكرون التغطية على مشاركتها في الجريمة باصطناع نوع من المواجهة مع دولة الاحتلال إلا أنها تبقى طرفا فاعلا في معاناة الشعب الفلسطيني والتغطية على الجريمة.

ليس موقف أوروبا من المذبحة إلا طورا من أطوار الاستعمار الجديد الذي لم تغادر أوروبا مجاله منذ نصف قرن. إنها عقلية الهيمنة ومنطق القوة وتوازن الرعب الذي يغذي الموقف الأوروبي التابع للموقف الأميركي والخاضع لمنطق الابتزاز الصهيوني منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا الموقف المعادي للعدالة الدولية أولا ولشعارات حقوق الإنسان الأوروبية ثانيا وللعرب والمسلمين ثالثا سيكون مكلفا للمنظومة الأوروبية على المديين المتوسط والبعيد. ففضلا عن التحول الكبير في الرأي العام الأوروبي حول الهيمنة الصهيونية على قرارهم السيادي فإن الموقف الشعبي والجماهيري العربي لن ينسى هذا الموقف الأوروبي.محمد هنيد

أستاذ محاضر بجامعة السوربون

copy short url   نسخ
24/10/2024
35