+ A
A -

هل تستطيع دولة الاحتلال تحقيق الانتصار المطلق والقضاء على حماس وحزب الله كما كانت ترغب؟ الحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط هي في الواقع حرب طويلة الأمد، حيث المستفيد الأكبر منها عسكريا هما حماس وحزب الله، حتى لو استمرت لسنوات عديدة، لأنها حرب غير تقليدية وغير متكافئة تتناسب في طبيعتها مع الجماعات المسلحة أكثر من الجيوش النظامية. هذه الحرب ليست مواجهةً بين دولتين، بل بين دولة ذات أيديولوجية صهيويهودية تمتلك جيشًا نظاميًا يتمتع بقدرات عسكرية فائقة وأسلحة تقليدية وغير تقليدية تهدف إلى القضاء على خصومها بشكل نهائي، وبين كيانات مسلحة ذات أيديولوجية إسلامية تضم أكثر من 100 ألف مقاتل وتمتلك قدرات وتشكيلات عسكرية غير تقليدية تساعدها على المناورة واستخدام تكتيكات مختلفة عن الجيوش النظامية، حيث تسعى هذه الجماعات إلى استنزاف العدو وتحقيق أهداف سياسية محدودة، مثل إطلاق سراح الأسرى أو تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين أو وقف الحرب على غزة.

لذلك، فإن الطبيعة المتباينة للأطراف المتحاربة تجعل هذه الحرب غير متكافئة أو ما يُعرف بـ (Asymmetry War). بالإضافة إلى عدم تكافؤ الأطراف المتحاربة، تم توظيف تكتيكات واستراتيجيات عسكرية تقليدية وغير تقليدية في إطار الحروب الهجينة (Hybrid Warfare)، حيث شملت إلى جانب حروب الوكالة عبر المليشيات المسلحة، الهجمات السيبرانية، والطائرات المسيّرة والصواريخ، إلى جانب استخدام الطائرات والدبابات. كما لعبت الدعاية وحرب الاتصالات دورًا كبيرًا في تصعيد الأوضاع وزيادة شراسة الصراع.

هذا النوع من الحروب لا يمكن أن يحسم أو يحقق النصر للجيوش النظامية كما هو متوقع، بل قد تمتد المعارك لسنين دون تحقيق الدول أهدافها، وهذا يفسر استمرار الحرب دون تحقيق إسرائيل لانتصار شامل، حيث لم تحرز سوى مكاسب عسكرية محدودة. فإسرائيل لجأت إلى استخدام القوة المفرطة والعشوائية بالطائرات والصواريخ والقصف المتواصل، التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، إلى جانب اعتمادها على سياسة الاغتيالات، مثل تصفية شخصيات بارزة كحسن نصرالله ويحيى السنوار وإسماعيل هنية، واستخدام الهجمات السيبرانية، كتفجير أجهزة الاتصالات التي كانت تستعملها قوات حزب الله.

في المقابل، نجحت حماس وحزب الله في تحقيق مكاسب عسكرية تتماشى مع طبيعتها، أبرزها إظهار إسرائيل ككيان عاجز عن تحقيق أهدافه دون الدعم الغربي، وخاصة الأميركي، وفقدانها لنظرية الردع التي كانت تتغنى بها لعقود. فحماس اعتمدت على تكتيكات حرب العصابات والكر والفر، وحرب المدن باستخدام المتفجرات والعبوات الناسفة فضلًا عن القذائف، واستغلت الإعلام بتوثيق عملياتها لتحقيق انتصارات معنوية على الدعاية الإسرائيلية واستطاعت جذب التعاطف مع قضيتها على مستوى العالم. من جهته، استخدم حزب الله المسيرات والصواريخ المتطورة ضد القوات الإسرائيلية التي تحاول اقتحام جنوب لبنان، ونجح حتى الآن في إحباط الجهود الإسرائيلية، بل وأرغم سكان شمال إسرائيل على الفرار.

هذه المعطيات تكشف عن خطأ استراتيجي كبير ارتكبته إسرائيل، حيث دخلت إسرائيل في متاهة حرب غير متكافئة بأهداف واسعة لا تتناسب مع طبيعة المعركة، وأن الحسم لا يتعلق بالقوة العسكرية بقدر ما يتعلق بالتكتيكات الحربية، وهذه التكتيكات على أرض الواقع تناسب طبيعة الجماعات المسلحة، واستمرار الحرب يصب في مصلحة تلك الجماعات أكثر من الناحية العسكرية والسياسية رغم الدمار الحاصل في غزة والمتوقع أيضاً في لبنان، فبالرغم من اغتيال قادة حزب الله وحماس لما ينهارا بعد بل استطاعت حماس قتل أكبر رتبة عسكرية لجيش الاحتلال إحسان دقسة، كما قام حزب الله باستهداف غرفة نوم نتانياهو، ولنا في التجربة الأميركية في أفغانستان خير دليل، حيث انتهت الحرب بعد عشرين عامًا بسيطرة طالبان في نهاية المطاف.هيثم القباني

صحفي وباحث سياسي

copy short url   نسخ
24/10/2024
150