+ A
A -
شهرُ رمضان هو شهر الروحانيات وشهر تقرّب إلى الله ونبذ الخلاف والفرقة. إنه الشهر الكريم الذي تتحد فيه قلوب المسلمين عبر القارات الخمس لتقوم بشعيرة من أعظم شعائر الدين. لكن اللافت للنظر اليوم هو ما يجتهد الإعلام العربي في جزء كبير منه على نشره وترويجه في هذا الشهر الفضيل بالتحديد.
لا يقتصر الأمر على ما يُسمّى الدراما العربية أو المسلسلات التي تُعرضُ وتُنتج خصيصا لشهر رمضان بل إن الأمر يمتد إلى البرامج الدينية والترفيهية وحتى البرامج الحوارية والتغطيات الإخبارية. ليس خافيا على المواطن العربي الدور الذي يلعبه الإعلام الرسمي خاصة في الأنظمة العسكرية التي شكلت لعقود مهدَ الأعمال الدرامية والمسلسلات التي غزت المنطقة مثل مصر وسوريا. لم يعد دور الدراما في مصر وتونس مثلا مقتصرا على تشجيع نماذج سلوكية معينة تتنافى مع قيم المجتمع فضلا عن كونها لا تتماشى مع سياق الشهر الكريم. لقد صارت الدراما كذلك أعمالا ذات رسائل سياسية مشفّرة لا تخطئها العين. فبعد ثورات الربيع مثلا نشطت الأعمال الدرامية المعادية للثورات وقبلها نشطت الأعمال التي تصوّر المسلمَ إرهابيا وجب الحذر منه وتجنبّه لأنه قد ينفجر في كلّ حين.
تنشط الدراما في تسويق تصور سياسي للعالم ولقضايا المجتمع بشكل يندرج في إطار الرؤية التي يفرضها النظام. أما خليجيا فإن الموجة الجديدة للمسلسلات الرمضانية قد اتخذت من الشأن السياسي والقضايا الداخلية أجندة قارّة ترتدي قناعا دراميا. مسلسل أم هارون مثلا هو عمل درامي يدخل في إطار التطبيع الناعم مع دولة الكيان المحتل كما وظفت قبله أعمال درامية لنفس الغرض أو لتصفية الحسابات السياسية مع هذه الدولة أو تلك.
بقطع النظر عن خلل الهيكل والمضمون في الأعمال الدرامية العربية خلال كامل السنة فإن ما يحدث خلال شهر رمضان من استغلال فاحش لنسب المشاهدة من أجل تحقيق أرباح مادية أو إرسال رسائل سياسية يمثل خرقا واضحا لميثاق العمل الإعلامي والفني معا. لم تنجح الدراما العربية في الخروج من قبضة الاستبداد وفي التحرر من سلطة القرار السياسي الذي صار يحكم أعمالها ويحدد مساراتها وهو الأمر الذي دعم بقوّة الإعلام البديل ونفّر المشاهد العربي من الشاشة ومن الفنّ عموما.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
30/04/2020
1669