+ A
A -
جمال قارصلي نائب ألماني سابق

كلما وُضعت سياسة الهجرة على جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي، انتابت جلساتها توترات كبيرة بين قادتها، وهذا ما حدث في القمة الأخيرة في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث ظهرت الخلافات الكبيرة حول سياسة اللجوء وكيفية التعامل معها. يمكن ملاحظة هذه الخلافات منذ بداية الاجتماعات التحضيرية لتلك القمة، مما يجعل من غير الواضح ما إذا كان البيان الختامي سيتطرق إلى سياسة الهجرة أم سيتحاشاها بسبب التفاوت الكبير بين مواقف دول الاتحاد حول هذا الموضوع الشائك الذي يحمل في طياته خطرا كبيرا على مستقبل الاتحاد الأوروبي. فكل دولة في الاتحاد تسعى لتحقيق مصالحها وتريد دفع اللاجئين نحو الدول الأخرى.

على الرغم من وجود اتفاق عام بين جميع الدول الأعضاء على ضرورة التسريع في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، فإن الخلاف يدور حول طرق وكيفية تنفيذ عملية الترحيل. بعض دول الاتحاد، نتيجة الضغوط الشديدة عليها، تحاول إقناع دول أفريقية بقبول طالبي اللجوء المرفوضين مؤقتًا مقابل مساعدات مالية، في حال تعذّر ترحيلهم فورا إلى بلدانهم الأصلية.

في المقابل، يحذر المعارضون من أن هؤلاء الأشخاص قد يتعرضون لمعاملة غير إنسانية أو مهينة في تلك الدول.

لكن ما حصل قبل أيام قليلة من فشل ذريع للحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني ربما يكون درسا مهما لرئيس الوزراء المجري. فقد أرسلت الحكومة الإيطالية 16 لاجئا إلى مركز لجوء في ألبانيا أُعد خصيصا لمعالجة طلبات اللجوء قبل دخولهم إلى إيطاليا. شبه البعض هذا المركز بمعتقل غوانتانامو الأميركي، لكن الصدمة كانت كبيرة لجورجيا ميلوني وحكومتها عندما قرر القضاء الإيطالي إعادة اللاجئين إلى إيطاليا، لأن الدول التي قدموا منها لا تُعتبر آمنة، استنادا إلى قرار المحكمة الأوروبية العليا في ستراسبورغ، الذي ينص على أن البلد الآمن هو الذي تكون جميع مناطقه آمنة، وليس جزءًا منها فقط.

ما حصل في إيطاليا يُعد مثالا مهما على أهمية فصل السلطات في إدارة الدولة، مقارنة بخلط السلطات مع بعضها، حيث تطغى السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وهي الطريقة التي تعتمدها الأنظمة الديكتاتورية في العالم.

في رسالة وجهتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى قادة دول الاتحاد، أكدت ضرورة اتخاذ «استجابة أوروبية واضحة وحازمة» لمواجهة هذه الأنشطة، كما دعت إلى توحيد قوانين إعادة اللاجئين بين الدول الأعضاء لتفادي استغلال التفاوتات القانونية من قبل طالبي اللجوء.

ما يزيد الوضع تعقيدا هو عدم استعداد بعض الحكومات الأوروبية لتحمل نصيبها من أعداد اللاجئين، إضافة إلى التفاوت الكبير في تطبيق قوانين الهجرة بين الدول الأعضاء. هذا التباين يجعل سياسة الهجرة في أوروبا بمثابة قنبلة موقوتة لا أحد يعلم متى ستنفجر، وقد تهدد ما بناه الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي الذين حلموا ببناء اتحاد يُطلق عليه: الولايات المتحدة الأوروبية.{ عربي 21

copy short url   نسخ
25/10/2024
5