دعونا نطرح سؤالاً مهماً لحياتنا الاجتماعية، ماهي المعايير التي تحكمنا في علاقتنا الزوجية، وما هي القيم التي تضبطها، إننا نعاني اليوم من قسوة الصلف المادي الحديث، والذاتية الفردية المتطرفة، التي صُنعت في الغرب، ثم نشرت في العالم الجنوبي، وهي تقوم على مبدأ مفاصلة مصلحية منفصلة عن الزوج، وعن الأقارب، ولا علاقة لها بهدي الإسلام، ووصايا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

إن المبدأ الإسلامي يقوم على روح تعبدية للفرد، يقترب بها من مولاه، ويعتقد في عمق ضميره، أن ما شرع الله له، هو خيرٌ محض، حين يُطبق قواعده، وأن نظريات العالم الحديث، لا تعترف أصلاً بأهمية الأُسرة، ولا يعنيها أمرها، استقرت أم هُدمت، بل العكس، فهي تقوم على روح الفرد المادي المُنفصل عن الوجدان الأخلاقي، في هذه الحياة، وبالتالي فكمسلم ومسلمة، عليك أن تراجع، رؤيتك بتأمل عميق عن مفهوم الزواج في الإسلام قبل أن تقدم عليه.

إن أول العناصر التي ندفع لها، لمحاصرة ظاهرة الطلاق، هي قضية الانسحاب الشجاع، حين تنعدم فرص الحوار أو التفاهم، فان الانسحاب من الجدل وليس رفض التفاهم أمرٌ مهم للغاية، ونقصد به الانسحاب اللطيف المعتذر وليس الاحتجاجي المتحدي، وذلك مطلوب من الزوج والزوجة وأيهما أكثر شجاعة فليتقدم.

والثاني إدارة العقل الذهني للحياة الزوجية، واستذكار عناصر الطرف الآخر الإيجابية، وأن ما يرد من سلبيات أمرٌ طارئ أو هو الأقل مقابل الإيجابيات، ثم الانطلاق إلى دائرة أكبر في التفكير الايجابي إلى المصالح الإنسانية المشتركة بينهما.

ما لذي يُجعمنا كزوجين؟

وهل يستحق هذا الخلاف ضريبة التفرق؟

أما العنصر الآخر فهو التقدم بعد هذه الحصيلة للمعالجة، والتي جزءٌ منها حواري هادئ، وليس بالضرورة أن يكون الحوار مباشراً وشاملاً في كل شيء، فيكفي التقاط خيوط ورسائل ودية بين الزوجين، ليعرف كلاهما رسالة الآخر الإيجابية، فالإغراق في التفاصيل ليس إيجابياً، المهم إعلاء مبدأ القبول والتراضي بينهما، وعدم الوقوف عند كل خلاف حتى مع اختلاف وجهتي نظرهما، والتقدم نحو التعزيز الإيجابي، هذه الخلاصة خروج من مآزق زوجية عديدة.

واستكمالا لتحرير مسارات الطلاق والطرق المقترحة لمعالجتها، يأتي ضمن حالات الطلاق، الخلاف ما بين ذوي الطباع الحادة، أكان من أحد الزوجين أو كليهما وهنا يجدر بنا التأكيد، على ما سبق أن ذكرناه في المقال السابق، وهي قضية عدم التضييق على الضحية، إن كان في مواجهة حالة شرسة عدائية، تمارس الظلم والتعنيف الجسدي والقولي دورياً، وتمتهن إذلال الزوجة وتحقيرها وتحويل المنزل إلى كتلة من الجحيم.

ففي هذه الحالة، لا يمكن أن تُدفع الزوجة الضحية، الفاقدة لأي قدرة ردع معنوية أو مادية لمنع الضرر، ليقال لها عليك بالصبر، في حين أنّ قراءة مسار الوضع المستقبلي، لمثل حالات العنف والتحقير، من شخصيات تكاد تكون مريضة سلوكياً، إن لم يكن نفسياً، تُعطي مؤشراً واضحاً، بأنّ الخلاص من هذا الوحش الزوجي أسلم، وأكمل، وأكثر استقراراً للضحية زوجةً وأبناءً.

ومهمة المؤسسات الرسمية الاجتماعية في الخليج، والقضائية والمحيط الاجتماعي للعائلة، هو العمل على تيسير إمكانية الوصول إلى بر الأمان لهذه المرأة الضحية، والمساعدة على استقرار العلاقة بين الجاني وبين أبنائه، وزوجته بعد الطلاق، أو الانفصال للتهدئة، لضمان عدم التعدي، واستمرار علاقة الأب مع بنيه بالحُسنى، كما يَبقى الطلاق أيضاً خياراً راجحاً لبعض الحالات الغير المنسجمة كلياً، لتنافر الطبائع وتعسر تكاملها، بعد أن استُكملت المحاولات للتصحيح، ولم تنجح، ولها فرص استئناف أفضل مع حياة زوجية ثانية للرجل والمرأة.

لكنّ هناك حالات عديدة، قد تجد مساحة كبيرة من القدرة على تجاوز خلافاتها الحادة، التي لا تصل للمستوى العنفي الشامل، لكن لديها طبائع وأمزجة حادة، ومع ذلك فان بالإمكان ومع ذات المسار الذي ذكرناه أي المعالجة الذاتية بين الزوجين، أن تتحقق نجاح رحلتهم الحياتية والزوجية، من خلال منظور المصالح المشتركة، ورغبة كِلا الطرفين بالعبور، بالعائلة إلى بر الأمان، وهي تعتمد على إيمان الشريكين أولاً، بضرورة التنسيق في هذه الحياة، وأنّ خيار الحفاظ على البيت الزوجي، هو الأفضل لهما ولأطفالهما.

مع تفهم كل طرف للطبيعة المزاجية للآخر، وهذا لا ينفي ضرورة أن يعمل كل منهما بحسب حاجته لتعديل سلوكه، وتلطيف تمرده المزاجي أو حدية طبعه -فالحلم بالتحلّم– وذلك لا يُلغي أهمية تجنّب الزوجين الاحتكاك اللفظي، حين طفرة الطبع الحاد، أو اصطدام مزاجه، فليترك الأمور لكي تهدأ، ويشجع كل منهما المبادرات الطبيعية للانشغال بالحديث العام، أو المناسبة العابرة، لتجاوز الأزمة أو في حالات قد يُنصح بتجنّب التلاقي المؤقّت، حتى تهدأ الحالة النفسية لهما.