+ A
A -
خميس عبد اللطيف المسلماني مستشار قانوني

تفاعل المواطنون مع خبر العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى بارتياح واسع وإيجابية لافتة، إذ ينظرون في هذا القرار خطوة مهمة نحو تعميق وحدة الصف الوطني وتعزيز الاستقرار والكفاءة في العملية التشريعية من خلال اختيار الكفاءات المناسبة التي تملك الخبرة والمعرفة لصياغة قوانين وتشريعات تصب في مصلحة الوطن والمجتمع، كما أن التمثيل العادل والشامل في الاختيار أعطى المواطنين الثقة بأن آراءهم ومتطلباتهم ستؤخذ في الاعتبار عبر الشخصيات المختارة، والتي سيتم تعيينها، كما أن العلاقة بين الشعب والحكم في قطر تقوم على أسس أهلية مباشرة، مدعومة بأعراف وآليات واضحة للتواصل المباشر.

هذه الخطوة تأتي استجابة للتحديات والفرص التي أظهرتها تجربة الانتخابات، حيث أكد سمو الأمير المفدى، حفظه الله، في افتتاح دور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى أن الغاية من هذه التعديلات هو تعزيز سيادة القانون وضمان المساواة في الحقوق والواجبات، بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بصورة فعالة.

في ضوء هذا التعديل الدستوري المقترح والمدروس بعناية فائقة، والتي أعلن عنها سمو الأمير المفدى، حفظه الله، يتضح أن الهدف من هذه الخطوة بأنه لا يقتصر على تعديل هيكلي في مجلس الشورى فحسب، بل يمتد إلى تحقيق مبادئ أساسية تتعلق بسيادة القانون والمساواة أمامه، وكذلك تعزيز المشاركة المتساوية في الحقوق والواجبات بين المواطنين، فلا شك بأن قرار العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى خطوة محورية تهدف إلى تعزيز بنية النظام السياسي والاجتماعي وضمان استقرار المؤسسات التشريعية.

من هذا المنطلق، فإن مشروع التعديلات الدستورية يعتبر نقطة تحول تساهم وتعزز في تحقيق أهداف بعيدة المدى للدولة، تتمثل في تعزيز الثقة في المؤسسات الدستورية وتوطيد أركان الدولة الحديثة.

وسنتناول في هذا المقال بعض مزايا هذا القرار، وأثره الإيجابي المتوقع على العملية التشريعية، بالإضافة إلى دوره في تعزيز الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي في الدولة.

قيمة القرار وأهميته:

1 - تعزيز سيادة القانون واستقرار التشريع

العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى ستساهم في تعزيز مبدأ سيادة القانون من عدة جوانب مهمة، حيث يأتي في سياق مساعي الدولة الدائمة نحو تكريس نظام أكثر استقراراً وفعالية، كما ستساهم العودة إلى نظام التعيين في ضمان تمثيل كافة الشرائح الاجتماعية والمهنية بما يحقق تنوعاً مثرياً في عملية التشريع مبني على التوازن المثالي بين الكفاءة والاستقرار وتضمن توظيف الخبرات والكفاءات بشكل أكثر فعالية. فالأعضاء المعينون -غالباً- ما يكونون من ذوي الخبرة والمعرفة في مجالاتهم مما يؤدي إلى صنع قرارات وتشريعات أكثر دقة وعدالة ترتكز على الصالح العام.

2 - تدعيم الرؤية الوطنية للدولة

سيدعم قرار التعيين في مجلس الشورى بشكل مباشر تنفيذ الركائز الأساسية لرؤية الدولة 2030 والتوجيهات الاستراتيجية لها، والتي ترتكز على التنمية البشرية، الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية من خلال اختيار الكفاءة والخبرة، مما يعزز من صنع قرارات مدروسة لجميع الفئات المجتمعية تعكس بشكل إيجابي على مسار الرؤية.

3 - تعميق الحفاظ على الوحدة الوطنية

سيلعب التعيين دوراً مهماً في الحفاظ وتكريس الوحدة والروح الوطنية وسيعزز شعور الجميع بأنهم ممثلون بشكل عادل وسيكون أساساً للانسجام داخل المجتمع، مما يؤدي إلى مجلس شورى أكثر تماسكاً وقدرة على العمل الجماعي لصالح المصلحة العامة بعيد عن الانقسامات والتنافس الانتخابي الحاد والتوترات المجتمعية التي تتسبب فيها عادة في النظام الانتخابي والتي تركت آثار سلبية كبيرة من خلال التجربة الانتخابية التي تمت.

4 - تقوية التمثيل العادل لكل الفئات وتحقيق التوازن الاجتماعي

سيتيح نظام التعيين إمكانية اختيار الأعضاء بناءً على الكفاءة والاحتياجات الوطنية وتحقيق التوازن في التخصصات المختلفة، كما يضمن تمثيل أوسع للفئات الاجتماعية التي قد لا تتمكن من الترشح أو الفوز في الانتخابات. هذا يشمل الشباب المرأة، وكافة فئات المجتمع الذين قد يساهمون بشكل كبير في العملية التشريعية والتنموية، كما يتيح فرصة تعيين شخصيات من مختلف الاجيال لتمثيل التنوع العمري.

5 - التركيز على المصلحة العامة واستمرارية المشاريع التنموية

سيساعد التعيين في تحرير أعضاء المجلس من الضغوط الانتخابية والسياسية والتركيز على القضايا الجوهرية التي تلبي رغبات المواطنين وتعزز رفاهية المجتمع، مما يمكنهم من التركيز على القضايا والمشاريع ذات الأهمية الوطنية والتخطيط طويل الأمد دون انقطاع بعيداً عن المصالح الفردية.

6 - البعد عن ضغوط الوعود الانتخابية

البعد عن ضغوط الوعود الانتخابية تعد من اهم مزايا التعيين، حيث يواجه المرشحون عادة ضغوط كبيرة لتنفيذ وعود انتخابية قد تكون أحياناً غير واقعية وغير قابل للتطبيق من أجل تحقیق شعبية لكسب الأصوات دون التفكير العميق في مدى جدوى هذه الوعود على المدى البعيد ومدى ارتباطها بالخطط والاسترتيجيات العامة للدولة.

7 - إثراء المهنية في المجلس

تعيين أعضاء من الخبراء ممن لهم مسارات مهنية مختلفة ومتخصصة في المجلات المتنوعة مثل القانون، الاقتصاد، الصحة، التعليم وغيرها سيثري جودة المناقشات وسيساهم في تقديم رؤى عميقة بناء على معرفتهم وخبراتهم، وسيساعد في صياغة وتوصيات تشريعات مدروسة وشاملة في المجلس قادرة على مواجهة التحديات والتعامل معها.

خاتمة

تمثل العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى خطوة استراتيجية نحو تعزيز سيادة القانون والمساواة أمامه وستكون بمثابة صمام أمان للوحدة الوطنية وتحقيق استقرار أكبر في مؤسساتها مما يتيح بيئة مستقرة للعمل الحكومي والتشريعي، ومع أهمية هذه التعديلات الدستورية، فإن المشاركة الشعبية الفعالة في الاستفتاء الشعبي القادم تعتـــبر ضرورة قصوى وفرصة ثميـــــنة للمساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية، فالدستور هو العقد الاجتماعي الذي يحدد علاقة الشـــعب بالحكم، ويؤسس للقواعد التي تحكم الدولة. لذا، فإن مشاركة المواطنين في هذا الاستفتاء لیست فقـــــط حقا، بل هو واجــــب لضمان أن هذه التعديلات تعبر عن إرادة الجــــميع وتحقق الأهداف المرجوة في تعزيز المـــشاركة الشعبية والمســـــاواة أمام القانون ولنكن جميعاً جزءاً من هــــــذه المرحلة التاريخــــية في تحقيــــق هذا الهــــدف الوطني الكبير.

تويتر:@kmaslamani

copy short url   نسخ
28/10/2024
65