حشَد مؤتمر لبنان، بمبادرة من الرئيس الفرنسي ٳيمانويل ماكرون، دعماً دولياً قوياً بهدف تقديم المساعدات الٳنسانية، وأتاح جمع مليار دولار للبنان وجيشه، ولكن في أفق سياسي لا يزال غير مؤكّد لجهة التعبئة لوقف إطلاق النار ودعم انتشار القوى المسلّحة اللبنانية، مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل)، في مناطق القتال بين إسرائيل وحزب الله. وكما كان متوقّعاً، نجح المؤتمر في التذكير بالتزام فرنسا (السياسي خصوصاً) بالعمل على ٳعادة السلام ٳلى لبنان في دينامية دبلوماسية جارية في سلسلة المبادرات الفرنسية، التي رافقت أزمات لبنان المتتالية. وٳذ يبدو أن الهدف الأول قد تحقّق، من غير المرجّح أن تسمع ٳسرائيل وٳيران ٳلى دعوة فرنسا إلى ٳنهاء القتال على الفور.

أما المساعدات الإنسانية، فينظر إليها أنها رعاية لحاجات الطوارئ، والتقديرات كلّها تشير ٳلى انكماش بنسبة 2.9% ٳذا استمرّت الحرب حتى نهاية العام 2024، وإلى تراجع خطير في الناتج المحلّي الإجمالي (التقييم السريع الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي).

مع ذلك، برزت أهمّية المؤتمر في أنه أعاد لغة التعاطف التي افتقدها لبنان منذ بدأت الحرب، وذلك في تشديد المجتمعين على أنه ليس متروكاً، وعلى أولوية وقف إطلاق النار وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 بكلّ مندرجاته، من خلال ضمانات يقدّمها الجانب اللبناني. ولو أن الخلاف لم يغب حول آليات تنفيذ القرار في انتظارات تتحكّم فيها قوىً دوليةٌ بوقف ٳطلاق النار، وبنتائج الردّ الٳسرائيلي على الهجوم الصاروخي الٳيراني، وبنتائج الانتخابات الأميركية، وسط سعي ٳسرائيل إلى التأثير على البيئة الدولية عبر خلق واقع جديد في الأرض يساعدها في ديمومة الاحتلال.

أصبح لبنان مرّة أخرى ساحة حرب أعادته منصّةً مفتوحةً لكل القضايا والحسابات، والنصائح الأميركية للبنان (عبر عاموس هوكشتاين وأنتوني بلينكن) تقول: «القبول بالمفروض حالياً، تنفيذ القرار 1559، حتى لا يضطر للقبول بشروط أقسى لاحقاً»، ما يُؤشّر إلى ٳنهيارات سياسية مختلفة. ولبنان في تكوينه وتناقضاته، لا يستطيع تنفيذ ذلك في حالة اللادولة، التي لا تملك أجوبةً عن تصوّرات تُطرح من الخارج، ٳلا ٳذا أرادت الطائفة الشيعية مجتمعة (ليس فقط حزب الله)، وقرّرت مثل الطوائف الأخرى أن تخرج من حرب مدمّرة لحماية الدولة وقواها الأمنية

نتائج الحرب أكبر من لبنان، الممرّ الصغير منذ أيام «كامب ديفيد» الذي تتفجر فيه الأزمات، ومن مصلحة لبنان أن ينأى بنفسه عن الصراعات، ووقف استيراد حروب الآخرين، واستعادة دور الدولة التي تنازلت تنازلاً مزمناً ومستمرّاً منذ أكثر من خمسة عقود عن دورها الضامن والحامي الوحيد لسلامة الوطن والأرض، واستعادة دور المؤسّسات بإعادة تركيبها، بدءاً برئاسة الجمهورية والحكومة وسياساتها، وصولاً إلى جميع مؤسّسات الدولة.العربي الجديد