تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فشمل برعايته الكريمة افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى، منتصف أكتوبر الجاري، حيث ألقى سموه خطابا هاما شكل خطة عمل متكاملة لمواصلة مسيرة إنجازات دولة قطر وتميزها على كافة الأصعدة محليا وخارجيا.

في الخطاب السامي أكد صاحب السمو أن التغيير المدروس هو السبيل الموثوق للتطور وتلبية طموحات الشعوب وتحقيق مصالحها، كما أشار إلى أن الدستور الدائم لدولة قطر هو السياج القانوني لهذه الطموحات والمصالح، موضحا سموه أنه أثناء افتتاح دور الانعقاد السنوي الخمسين لمجلس الشورى في عام «2021» أشار إلى تكليف مجلس الوزراء بإعداد التعديلات القانونية اللازمة- بما فيها التشريعات الدستورية الطابع- لتعزيز المواطنة المتساوية وعرضها على مجلس الشورى، حيث انتهى مجلس الوزراء من إعداد مشروع تعديلات دستورية وتشريعية، أكد سمو الأمير المفدى أنه «وانطلاقًا من مسؤوليتي وواجبي تجاه وطني وشعبي لما فيه الخير في الحاضر والمستقبل فقد ارتأيت أن تلك التعديلات تحقق المصلحة العليا للدولة، وتعزز من قيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع القطري، وقد وجهت بإحالة مشروع التعديلات الدستورية، بما فيها العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى، إلى مجلسكم الموقر لاتخاذ اللازم بشأنها وفقاً لأحكام الدستور. فيما سيتولى مجلس الوزراء اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن التعديلات المقترحة على القوانين والأدوات التشريعية الأخرى وفقًا للقانون».

وكما قال صاحب السمو، هناك «غايتان تجمعان التعديلات الدستورية والتشريعية المرتبطة بها: الحرص على وحدة الشعب من جهة، والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من جهة أخرى».

وقد أوضح سموه أن المساواة أمام القانون وفي القانون أساس الدولة الحديثة، وأيضا واجب شرعي وأخلاقي ودستوري. إنه العدل الذي أمرنا الله به، ولا نقبل بغيره. قال تعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، قبل أن يضيف بأن «وحدتنا الوطنية مصدر قوتنا بعد التوفيق من الله سبحانه وتعالى، في مواجهة كل التحديات التي مررنا بها، ومن هنا فإن علينا دائمًا حين نراجع تجاربنا أن نضع وحدتنا وتماسكنا فوق أي اعتبار».

لقد أوضح سموه: أنه «بالنسبة لانتخاب مجلس الشورى، وللدقة انتخاب ثلثي أعضائه، فقد نص عليه الدستور الدائم للدولة من عام 2004، ولم يطبق، وأبيت أن تبقى ثمة أحكام في الدستور تنتظر التنفيذ، فقمت بمبادرتي بالدعوة إلى الانتخابات. وأصارحكم القول إني دعوت إلى الانتخابات على الرغم من تحفظ العديد من المواطنين المخلصين الذين رأوا أنه كان ثمة منطق معتبر في عدم تطبيق هذه الأحكام».

أضاف سموه: «قلت في حينه من على هذا المنبر وغيره إنها تجربة، وسوف نراجعها ونقيّمها ونستخلص النتائج منها. وقد قمنا بذلك واستخلصنا النتائج التي قادتنا إلى اقتراح التعديلات الدستورية، فنظامنا نظام إمارة يقوم على العدل والشورى ويحمي الحقوق والحريات في ظل سيادة القانون».

وبالفعل هذا ما تم، حيث عقدت اللجنة الخاصة بدراسة تعديل بعض مواد الدستور بمجلس الشورى عدة اجتماعات لمناقشة التعديلات، كما استضافت سعادة السيد إبراهيم بن علي المهندي، وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، الذي قدم التوضيحات اللازمة على أسئلة واستفسارات اللجنة حول مشروع التعديلات الدستورية المقترحة، وصولا إلى الجلسة التي عقدها مجلس الشورى أمس، وأقر فيها بالإجماع، مشروع التعديلات الدستورية، بعد استعراض تقرير اللجنة الخاصة بدراسة التعديل ومناقشات بناءة ومعمقة اتسمت بحرص أعضاء مجلس الشورى على تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبدأ العدل وسيادة القانون، وتمت بكل شفافية.

هذا الإقرار عَكَسَ رغبة الشعب القطري، وجعل الوطن والمواطن أمام لحظات تاريخية في مسيرة تطور ونماء الدولة، حيث يحمل هذا الوطن إرثا اجتماعيا لا توجد به انقسامات، وهو ما نتمنى أن يرثه أبناؤنا، وأن تبقى اللحمة الوطنية وسيلتنا لتوطيد أركان الدولة القائمة على العدل ومبدأ سيادة القانون، ودفع عجلة التطوير والتنمية وضمان تحقيق تطلعات المواطنين نحو مستقبل يسودة الاستقرار والتقدم.

لقد شمل إقرار التعديل على بعض مواد الدستور استبدال 14 نصا من الدستور الدائم إلى جانب إضافة مادتين وإلغاء 3 مواد، وجميعها يصب في مصلحة الوطن والمواطن في جانب تحقيق وحدة الوطن والمساواة في المواطنة، فالمادة (77) تعكس هذا الحرص، حيث جعلت عدد أعضاء مجلس الشوري غير محصور في «45» عضوا بل نصت على: «يتألف مجلس الشورى من عدد لا يقل عن خمسة وأربعين عضوا ويصدر بتعيين الأعضاء قرار أميري»، كما نصت المادة (80) على أنه: «يجب أن تتوافر في عضو مجلس الشورى الشروط التالية: 1 - أن يكون قطري الجنسية، 2 - أن يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة، 3 - ألا يكون قد سبق الحكم عليه نهائيا في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره وفقا للقانون، 4 - أن يكون من أهل العلم أو الرأي أو من ذوي الكفاءة والخبرة».

تمثل خطوة العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى نقلة استراتيجية، تعزز المواطنة وتحقق خطوات عملية نحو ازدهار وتقدم وطننا، ليكون في مصاف الدول المتقدمة واستمرار مشاريع التنمية واستكمال تطلعات المواطن في تحقيق الرخاء والتقدم في كافة جوانب الحياة.. واليوم نحن أمام مرحلة تاريخية مشرقة سوف تستذكرها الأجيال القادمة بكل حب وعطاء لاستكمال مسيرة البناء والعطاء لوطننا المعطاء.

لقد جاء خطاب سمو الأمير المفدى معبرا عن رؤية واضحة وشاملة لنهج قطر الثابت في مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات، وقد جاء بمثابة خريطة طريق لمستقبل مشرق، يستند إلى أسس راسخة من العمل الجاد، والتخطيط السليم، والرؤية الاستراتيجية التي تحمل الأمل والاستقرار والرخاء لكل مواطن قطري، وقد جاء إقرار التعديلات الدستورية من جانب مجلس الشورى بالأمس، ليؤكد على النهج الثابت فيما يتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبدأ العدل وسيادة القانون، وتحقيق المصلحة العليا للبلاد، وفق توجيهات صاحب السمو ورؤيته الثاقبة التي ستنتقل بقطر إلى مرحلة هامة وستفتح أمامها آفاقا نحو النمو والتقدم والازدهار، وكما قال سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم رئيس مجلس الشورى، فإن «هذه المرحلة سوف تذكرها الأجيال القادمة بفخر واعتزاز، باعتبارها خطوة هامة في تعزيز وحدتنا الوطنية وترسيخ مبدأ سيادة القانون».

فالغاية من اقتراح هذه التعديلات الدستورية، كما أشار سمو الأمير المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى، هي: «الحفاظ على وحدة الشعب وتعزيز المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات».

لقد شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من الإنجازات والتطورات الاقتصادية التي حققتها الدولة، كما شهدنا جهودا جبارة لتعزيز البنية التحتية وتطوير القطاعات الحيوية، وتبوأت قطر مركز الصدارة في العديد من النشرات العالمية، كما هو الحال بالنسبة للتعليم والصحة والشفافية، والأمن والأمان، لتأتي التعديلات الدستورية بغاياتها النبيلة كإضافة تاريخية في مسيرة التطور والنماء لدولتنا الحبيبة، لتؤكد على أمن وطننا وتماسكه الاجتماعي، والذي كرسته هذه التعديلات بغرض الحفاظ على وحدة الشعب وتعزيز المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وهذه كانت جوهر التعديل والغاية الأساسية منه.

لقد أنعم الله علينا بأمن واستقرار قل نظيرهما، في أجواء من الحرية، سوف تؤدي جميعها إلى المزيد من المنجزات الكبرى بإذن الله، على كل صعيد.

محمد حجي - رئيس التحرير المسؤول