كانت صفحة الشعور بل والتوثيق السياسي الدقيق لرحلة غدر الرفاق بالشيخ الترابي متكررة في شهادته، لكن لا بد من وضعها في السياق المحدد وهي تحالف الرئيس عمر البشير مع نائبه علي عثمان طه، خاصة حين بدأ الترابي يَجمع كل أوراق المحطات ويسلسلها، فتبرز أمام المشاهد قبل أن يُعلن ذلك في الحلقات الختامية، وبالتالي فهي الصورة الأولى البارزة، قبل الحديث عن مسؤولية د. الترابي في مصير السودان بعد ثورة الإنقاذ، والتي تحتاج لتحديد معالم حتى يتم نقده بناءً عليها.
ومن الصعب أن نعرض هنا لتفكيك مشروع الشيخ الترابي الفكري، الذي اعتنى به أحد أبرز تلامذته ومحبيه وهو د. المحبوب عبد السلام، لكننا أيضاً نستطيع أن نحدد معالم أساسية، كان يسعى لها الترابي من خلال شهادته المباشرة، للوصول إلى نهاية مشروعه، أو بالأحرى إنقاذ مشروعه من تحالف الحكم الذي شق الحركة الإسلامية.
وهو الوصول إلى تحويل قيادة الدولة إلى السيادة الشعبية عبر مؤسسات الرقابة، وتعويم المحدد الثقافي للدولة عبر توافق المجتمع المدني وتوسيع الحريات، بالطبع هنا تساؤل عن قناعة الشيخ حسن في ظل محطات التجربة، وهل هذا بسبب الحصيلة الكارثية التي انتهت لها تجربة الإنقاذ، أم أنه كان فكراً متقدماً لديه، لكن لم يوفق في حماية التحرير الدستوري والسياسي، الذي يضمن الوصول له من خلال ثورة الإنقاذ، بعد أن اُخترقت الثورة ذاتها.
المؤكد هنا من خلال المصير الذي انتهى إليه د. حسن الترابي، والذي وجه له رفاقه من خلال خضوعهم للتحالف الثنائي، أقسى الطعنات وسنوات السجن والحصار، رغم أنه تحمل عبر مسافة زمنية طويلة التغطية على خطاياهم، رغبةً منه في أن يصل المشروع الشعبي للحركة الإسلامية إلى منصة الحسم الأخير، فيسترد الدولة التي اختطفها الثنائي، ليُعيدها للشعب بحسب رواية الشيخ حسن.
فما هي الصورة الشعبية الأخيرة؟ وأين تلتقي تجربة الشيخ حسن مع الطموح المدني العام في الوطن العربي، وفي السودان على الخصوص؟، هذه لم تظهر إلا في كلماته الأخيرة، في آخر حلقة، حين قال إنه انتهى إلى فرز تجربة الحركة الإسلامية في الدولة والسياسة، وأنها تحتاج إلى الاندياح المدني وتكريس الحريات، قبل السلطة والدولة، وتحييد مراكز القوى العسكرية المستبدة، لتأسيس مفاهيم الدولة المدنية، الضامنة للحريات والحقوق الدستورية وسيادة الشعب، وبالتالي تحضر هنا فكرة الروح والأنسنة الإسلامية والرابط الأخلاقي الوجداني، للمواطنة في ضمير الفرد والحكم.
وهذا بالطبع سيوضع في مسار نقدي لدى من يخالف الشيخ حسن، كلياً أو جزئياً، فقبل الوصول إليه هناك تجربة خطيرة، روى هو شخصياً أبرز فصولها، وقد تحمل المسؤولية لكنه برر باعتذاره، عن عجز قدرة الإنسان على تَبيّن مصداقية الرجال قبل الامتحان، فلا يمكن له أن يُحققها في ذلك الزمن المزدحم، كما أنه أشار عدة مرات إلى أن فكرة الفساد المالي الضخم في أوساط إسلاميين تربويين، ورعاية وتنفيذ الحركة الإسلامية جناح علي عثمان طه جرائم عديدة، بما فيها بيوت الأشباح والتعذيب، وتسليع مشاريع السودان القومية لأجل مصالح فاسدي الحركة، كانت فوق تصوره أن تقع في ذات يوم.
جرائم عديدة وثقها الشيخ حسن، خاصة في حرب دارفور ورحلة المضطهدين المعذبين، والأقاليم المظلومة المهمشة، وكيف أن كُتل من الإسلاميين الحزبيين في العالم كانوا يصفقون لتلك الحرب الآثمة، وحملات الاعتقالات باسم انتصار وتمكين الدولة الإسلامية في السودان.
ومع أن الشيخ حسن ظل متمسكاً، بمعاني الكفاح والجهاد لدفع العدوان الغربي المستتر، لا مواجهة الإنسان الأفريقي، ولكن ذلك لم يفصل بينه وبين الجنوب وجدانياً، لدرجة أن د. جون قرنق، اشترط قبل توقيع الاتفاقية إطلاق الترابي، فهو المفكر الذي كان يحوّل سودانيته إلى حوار إنسان متحد محب مع مواطنيه الأفارقة، إلا أن أسئلة كبرى في أخطاء مسيرته، تُشير إلى أن غدر رفاقه به وبمشروعه الشعبي، لا تكفي لتبرئة موقفه، سنعود له في خاتمتنا القادمة.بقلم: مهنا الحبيل
ومن الصعب أن نعرض هنا لتفكيك مشروع الشيخ الترابي الفكري، الذي اعتنى به أحد أبرز تلامذته ومحبيه وهو د. المحبوب عبد السلام، لكننا أيضاً نستطيع أن نحدد معالم أساسية، كان يسعى لها الترابي من خلال شهادته المباشرة، للوصول إلى نهاية مشروعه، أو بالأحرى إنقاذ مشروعه من تحالف الحكم الذي شق الحركة الإسلامية.
وهو الوصول إلى تحويل قيادة الدولة إلى السيادة الشعبية عبر مؤسسات الرقابة، وتعويم المحدد الثقافي للدولة عبر توافق المجتمع المدني وتوسيع الحريات، بالطبع هنا تساؤل عن قناعة الشيخ حسن في ظل محطات التجربة، وهل هذا بسبب الحصيلة الكارثية التي انتهت لها تجربة الإنقاذ، أم أنه كان فكراً متقدماً لديه، لكن لم يوفق في حماية التحرير الدستوري والسياسي، الذي يضمن الوصول له من خلال ثورة الإنقاذ، بعد أن اُخترقت الثورة ذاتها.
المؤكد هنا من خلال المصير الذي انتهى إليه د. حسن الترابي، والذي وجه له رفاقه من خلال خضوعهم للتحالف الثنائي، أقسى الطعنات وسنوات السجن والحصار، رغم أنه تحمل عبر مسافة زمنية طويلة التغطية على خطاياهم، رغبةً منه في أن يصل المشروع الشعبي للحركة الإسلامية إلى منصة الحسم الأخير، فيسترد الدولة التي اختطفها الثنائي، ليُعيدها للشعب بحسب رواية الشيخ حسن.
فما هي الصورة الشعبية الأخيرة؟ وأين تلتقي تجربة الشيخ حسن مع الطموح المدني العام في الوطن العربي، وفي السودان على الخصوص؟، هذه لم تظهر إلا في كلماته الأخيرة، في آخر حلقة، حين قال إنه انتهى إلى فرز تجربة الحركة الإسلامية في الدولة والسياسة، وأنها تحتاج إلى الاندياح المدني وتكريس الحريات، قبل السلطة والدولة، وتحييد مراكز القوى العسكرية المستبدة، لتأسيس مفاهيم الدولة المدنية، الضامنة للحريات والحقوق الدستورية وسيادة الشعب، وبالتالي تحضر هنا فكرة الروح والأنسنة الإسلامية والرابط الأخلاقي الوجداني، للمواطنة في ضمير الفرد والحكم.
وهذا بالطبع سيوضع في مسار نقدي لدى من يخالف الشيخ حسن، كلياً أو جزئياً، فقبل الوصول إليه هناك تجربة خطيرة، روى هو شخصياً أبرز فصولها، وقد تحمل المسؤولية لكنه برر باعتذاره، عن عجز قدرة الإنسان على تَبيّن مصداقية الرجال قبل الامتحان، فلا يمكن له أن يُحققها في ذلك الزمن المزدحم، كما أنه أشار عدة مرات إلى أن فكرة الفساد المالي الضخم في أوساط إسلاميين تربويين، ورعاية وتنفيذ الحركة الإسلامية جناح علي عثمان طه جرائم عديدة، بما فيها بيوت الأشباح والتعذيب، وتسليع مشاريع السودان القومية لأجل مصالح فاسدي الحركة، كانت فوق تصوره أن تقع في ذات يوم.
جرائم عديدة وثقها الشيخ حسن، خاصة في حرب دارفور ورحلة المضطهدين المعذبين، والأقاليم المظلومة المهمشة، وكيف أن كُتل من الإسلاميين الحزبيين في العالم كانوا يصفقون لتلك الحرب الآثمة، وحملات الاعتقالات باسم انتصار وتمكين الدولة الإسلامية في السودان.
ومع أن الشيخ حسن ظل متمسكاً، بمعاني الكفاح والجهاد لدفع العدوان الغربي المستتر، لا مواجهة الإنسان الأفريقي، ولكن ذلك لم يفصل بينه وبين الجنوب وجدانياً، لدرجة أن د. جون قرنق، اشترط قبل توقيع الاتفاقية إطلاق الترابي، فهو المفكر الذي كان يحوّل سودانيته إلى حوار إنسان متحد محب مع مواطنيه الأفارقة، إلا أن أسئلة كبرى في أخطاء مسيرته، تُشير إلى أن غدر رفاقه به وبمشروعه الشعبي، لا تكفي لتبرئة موقفه، سنعود له في خاتمتنا القادمة.بقلم: مهنا الحبيل