توافقت شورى تنظيم «حزب الله» اللبناني على انتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينا عامًا للحزب، خلفاً لحسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في غارة على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت في سبتمبر/‏ أيلول الماضي.

وقال الحزب في بيان إنه «تمسُّكًا بمبادئ حزب الله وأهدافه، وعملاً بالآلية المعتمدة لانتخاب الأمين العام، توافقت شورى حزب الله على انتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًّا للحزب حاملاً للراية في هذه المسيرة».

وتابع البيان: «نعاهد على العمل معًا لتحقيق مبادئ حزب الله وأهداف مسيرته، وإبقاء شعلة المقاومة وضَّاءة ورايتها مرفوعة حتى تحقيق الانتصار».

والشيخ نعيم قاسم عالِم دين شيعي وسياسي لبناني، من أبرز قياديي حزب الله اللبناني وأكبر منظريه، كان يتولى منصب نائب الأمين العام ومسؤولية متابعة العمل النيابي والحكومي في الحزب.

حصل على البكالوريوس والماجستير في الكيمياء، ونشط في الجماعات الإسلامية منذ سبعينيات القرن العشرين، وعمل مع موسى الصدر عند بداية تأسيس حركة المحرومين، ثم ساهم في تأسيس حزب الله، وتولى منصب نائب الأمين العام عام 1991.

المولد والنشأة

ولد نعيم بن محمد نعيم قاسم في منطقة البسطة التحتا في بيروت بلبنان عام 1953. والده من بلدة كفر فيلا التابعة لإقليم التفاح جنوب لبنان.

نعيم قاسم متزوج ولديه 6 أولاد، منهم 4 ذكور.

الدراسة والتكوين العلمي

التحق بكلية التربية في الجامعة اللبنانية عام 1970، ودرس الكيمياء باللغة الفرنسية، وبعد تخرجه درّس المادة نفسها 6 سنوات في المدارس الثانوية.

وحصل بعدها على الماجستير في الكيمياء في الجامعة نفسها عام 1977.

وأثناء دراسته الجامعية، بدأ نعيم قاسم إقامة دروس في المسجد للأطفال في حلقاتٍ أسبوعية وعمره آنذاك لم يتجاوز الـ18.

ودرس مناهج الدراسة الحوزية على يد كبار علماء الشيعة في لبنان، من أبرزهم عباس الموسوي وحسن طراد وعلي الأمين.

وتلقى دروس «بحث الخارج» في علم الفقه والأصول على يد محمد حسين فضل الله.

التجربة السياسية

وأثناء دراسته الجامعية ساهم في تأسيس «الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين» مع عدد من الطلبة، وترأس جمعية التعليم الديني الإسلامي من عام 1974 إلى عام 1988.

والتحق بـ«أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل) الجناح العسكري لـ«حركة المحرومين» فور تأسيسها على يد موسى الصدر عام 1974.

ونشط نعيم قاسم في الاجتماعات الأولى التي عقدها الصدر مع الشخصيات واللجان الإسلامية في لبنان تمهيدا لإطلاق الحركة.

عين نعيم قاسم في منصب نائب المسؤول الثقافي المركزي في حركة أمل، ثم التحق أمينا في مجلس قيادة الحركة، وعند تولي حسين الحسيني القيادة شغل منصب مسؤول العقيدة والثقافة.

استقال نعيم قاسم من حركة أمل، بعد عام من انتهاء الثورة الإيرانية، وقرر إكمال دراسته في الحوزة، واستمر في نشاطه الديني عبر إلقاء الدروس في المساجد والحسينيات ببيروت والضاحية الجنوبية.

عكف نعيم قاسم على التدريس أسبوعيا في مسجد البر والإرشاد لأكثر من 10 سنوات، ثم انتقل بدروسه إلى مسجد الإمام المهدي الغبيري وبقي هناك 4 سنوات، وظل يتنقل بين المساجد والحسينيات سنوات عدة، ولا يستقر في إحداها إلا من 3 إلى 5 سنوات.

ساهم نعيم قاسم في تأسيس جمعية التعليم الديني الإسلامي عام 1977، وأدارها حتى عام 1990، وعاد للعمل السياسي متأثرا بقائد الثورة الإيرانية الخميني، وشارك في اللجان الإسلامية التي عملت في الأنشطة الإعلامية للثورة.

وعقب لقاءات بين اللجان الإسلامية عام 1982، تأسس حزب الله، وكان نعيم قاسم من بين أبرز الفاعلين العاملين على تأسيسه.

انضم عضوا في مجلس شورى حزب الله وبقي فيه 3 دورات، وبعدها وكلت إليه مسؤولية الأنشطة التربوية والكشفية في بيروت، ثم تقلد منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي، قبل أن يترأسه.

وعين بعدها في منصب نائب الأمين العام لحزب الله عام 1991، وصار من مهامه متابعة عمل النواب البرلمانيين للحزب وحركتهم السياسية.

وتولى أيضا رئاسة هيئة العمل الحكومية المسؤولة عن متابعة الوزارات المختلفة ودراسة هيكلياتها وقراراتها، وأيضا متابعة وزراء الحزب وعمل الحكومة.

وتولى أيضا منصب المنسق العام للانتخابات النيابية في حزب الله عام 1992، مع بداية أول انتخابات نيابية فيه.

وشهدت فترة تولي نعيم قاسم المسؤولية مواجهات عدة مع إسرائيل، بما في ذلك حرب «تموز 1993» وحرب «نيسان 1996» وحرب «التحرير 2000» وحرب «تموز 2006»، إضافة إلى مواجهات عام 2017.

وتشهد أيضا مواجهات عام 2024 التي بدأت في السابع من أكتوبر/‏‏ تشرين الأول 2023، عقب إعلان المقاومة الإسلامية في قطاع غزة إطلاق معركة «طوفان الأقصى». وبدأ الجيش الإسرائيلي في أكتوبر/‏‏ تشرين الأول 2024 عملية برية في الجنوب اللبناني بهدف «ضرب وتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله» في المنطقة.

وتأتي هذه العملية البرية ضمن عملية أوسع أطلقتها إسرائيل في لبنان في سبتمبر/‏‏ أيلول 2024 تحت اسم «السهام الشمالية».

وأعلن الجيش الإسرائيلي ضمن هذه العملية، اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر/‏‏ أيلول 2024 بغارة جوية استهدفته بالضاحية الجنوبية لبيروت، فأعلن الحزب نعيم قاسم أمينا عاما خلفا لنصر الله في 29 أكتوبر/‏ ‏تشرين الأول.

وتولى نصر الله منصب الأمين العام في 16 فبراير/‏‏ شباط 1992، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي.

ومنذ توليه القيادة، قاد نصر الله الحزب لتنفيذ سلسلة عمليات نوعية ضد إسرائيل، أدت إلى انسحاب الأخيرة من جنوب لبنان عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما.

وظهر قاسم في ثلاثة خطابات عقب اغتيال نصرالله، تحدث خلالها بأسلوب هادئ عن مواقف الحزب السياسية وأوضاعه العسكرية، وهو أسلوبه المعروف بخطاباته وكلماته السابقة منذ بداية المواجهات مع إسرائيل في أكتوبر/‏‏ تشرين الأول 2023.

وقال قاسم في أحد خطاباته: «رغم فقدان بعض القادة والاعتداء على المدنيين والاعتداءات لن نتزحزح عن مواقفنا الصادقة والشريفة، وستواصل المقاومة الإسلامية (حزب الله) مواجهة العدو الإسرائيلي مساندةً لفلسطين ودفاعًا عن لبنان». وعاش الأمين العام الجديد للحزب المواجهات مع إسرائيل من موقع مسؤوليته ودوره في الشورى، وذلك في حروب يوليو/‏‏ تموز 1993، وأبريل/‏‏ نيسان 1996، و«التحرير» عام 2000، ويوليو/‏‏ تموز 2006.

وألَّف قاسم كتاب «حزب الله» الذي يعرض أهداف الحزب وتاريخه ورؤيته السياسية في مختلف الأمور.

كما شارك في مؤتمرات عديدة في إيران، ومجمع التقريب بين المذاهب، ومؤتمرات الوحدة الاسلامية، ومؤتمرات يوم القدس العالمي، وغيرها كثير.

ويأتي اختياره أمينا عاما للحزب في ظل توسيع تل أبيب منذ 23 سبتمبر الماضي نطاق الإبادة الجماعية التي تشنها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/‏‏ تشرين الأول 2023، لتشمل لبنان والعاصمة بيروت بشن غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.

وأسفر العدوان على لبنان إجمالاً عن ألفين و710 قتلى و12 ألفا و592 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق رصد الأناضول لأحدث البيانات الرسمية اللبنانية المعلنة حتى مساء الاثنين.

ويوميا يرد «حزب الله» بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومقار استخبارية وتجمعات لعسكريين ومستوطنات، وبينما تعلن إسرائيل جانبا من خسائرها البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيما صارما على معظم الخسائر، حسب مراقبين.