في وتيرة متصاعدة، يكرّر مسؤولون إسرائيليون تصريحاتهم عن ضرورة الإسراع ببناء سياج أمني على الحدود مع الأردن، وفكرة المشروع هذه يتحدّث عنها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو منذ نحو 20 عاما، بزعم مقاومة التهريب والتسلل من جهة المملكة. وتصاعد الحديث عن المشروع عقب عملية معبر «اللنبي» في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي التي قتل فيها 3 إسرائيليين ومنفذ العملية الأردني ماهر الجازي، وحادثة البحر الميت في 18 أكتوبر/ تشرين أول الجاري التي أصيب فيها إسرائيليان وقتل المنفذان الأردنيان حسام أبو غزالة وعامر قواس. وبعد حادثة البحر الميت بيوم واحد قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين على منصة إكس، إنه سيعمل على تسريع بناء سياج على طول الحدود مع الأردن.
وأضاف كوهين: «مع دخول المتسللين وتهريب الأسلحة غير المشروعة والعمليات المعادية، سأعمل في الحكومة على تسريع بناء سياج على طول الحدود مع الأردن، على غرار السياج الذي أقيم على الحدود مع مصر»، متابعا: «إنه ليس خيارًا إنه أمر لا بد منه». وهذه ليست أول تصريحات إسرائيلية رسمية عن الرغبة ببناء سياج على الحدود مع الأردن. غير أن خبراء قانونيين يؤكدون أن بناء جدار على الحدود الشرقية من الضفة الغربية المحتلة، يستلزم موافقة السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الشرعية المسؤولة عن هذه المنطقة.
ويبلغ طول الحدود الأردنية مع إسرائيل والضفة الغربية 335 كيلومترا، منها 97 كيلومترا مع الضفة الغربية، و238 كيلومترا مع إسرائيل.وكان نتانياهو أعرب مطلع سبتمبر الماضي، عن عزمه بناء سياج على الحدود مع الأردن على غرار السياج المبني على الحدود مع مصر.
ومنتصف سبتمبر، قالت صحيفة «يسرائيل اليوم» العبرية إن الجيش الإسرائيلي بدأ بحفر خندق على الحدود مع الأردن. وبخصوص مزاعم واتهامات إسرائيل للأردن، فإن الحدود الغربية للمملكة هي الأقل من حيث عمليات التهريب مع وجود بعض حالات التسلل، ولم يعلَن سابقا تهريب مخدرات عبر حدود الجانبين.
ويرتبط الأردن مع إسرائيل بثلاثة معابر حدودية هي الشيخ حسين (نهر الأردن من الجانب الإسرائيلي) وجسر الملك حسين، «اللنبي» ووادي عربة «إسحاق رابين».
والمعابر الثلاثة تعمل بشكل منتظم ويرتبط إغلاقها بالظروف الأمنية داخل إسرائيل، وهو ما يحدث بصورة محدودة، وقد جرى ذلك خلال الحرب الجارية على قطاع غزة.
وسبق لعمان أن نفت مزاعم إسرائيلية عن تهريب أسلحة من الأردن، لكن التساؤلات الأبرز تكمن في طبيعة خطر السياج المقترح على المملكة، وأثره على سيادتها، إضافة إلى الأهداف الإسرائيلية من إقامته.
ويرى مراقبون أن موقف الأردن من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة دفع تل أبيب نحو محاولة افتعال أزمات مع عمان للتأثير عليها، وكان طريقها لذلك «عبر الحدود».
مخاوف أمنية وسياسية
أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية) حسن الدعجة، يقول إن «السياج الذي تخطط إسرائيل لتشييده على الحدود مع الأردن يمثل خطوة تعكس مخاوفها الأمنية والسياسية، وقد يكون له تداعيات على العلاقات مع الأردن».
ويضيف الدعجة في حديثه للأناضول: «الأردن يرفض هذا النوع من الإجراءات الأمنية أحادية الجانب، حيث يرى أن إقامة الحواجز قد تؤثر سلبا على الأوضاع الجيوسياسية وأمن المنطقة».
ويردف بالقول: «كما يعتبرها البعض رمزاً للتوتر، ولخلق حالة من عدم الثقة بين الدول المتجاورة».
ويشير إلى أن «الأردن يفضل أن تُعالج المسائل الأمنية عبر التنسيق والتعاون الإقليمي بدلاً من الحواجز، ويرى أن العلاقات الحسنة على الحدود هي العامل الأهم في ضمان الأمن والاستقرار».
أما عن دوافع إسرائيل لإقامة السياج، فيرى أن «تل أبيب تبرر هذه الخطوة بضرورات أمنية، مثل منع التسلل وتهريب الأسلحة والحد من موجات الهجرة غير النظامية».
«إسرائيل تخشى من تهديدات على حدودها من قبل جهات غير حكومية، أو وصول أسلحة ومجموعات تشكل تهديداً لأمنها القومي»، وفق الأكاديمي الأردني.
وفيما يتعلق بخطورة السياج على الأردن يلفت الدعجة إلى أن «تأثيره سيكون على العلاقات الدبلوماسية؛ إذ يمكن أن يزيد من التوترات بين عمان وتل أبيب، ويعيق جهود الحفاظ على سلام مستدام».
كما تطرق إلى تأثيره على الحركة الاقتصادية والبشرية، مشيراً أنه «قد يُصعِّب حركة البضائع والأشخاص بين البلدين، مما قد ينعكس سلباً على الاقتصاد الأردني».
ويستطرد: «إسرائيل تصر على بناء هذا السياج لأسباب أمنية واضحة، إلا أن الأردن بحاجة للحوار المستمر مع الجانب الإسرائيلي لاحتواء هذه التداعيات المحتملة وتجنب تصاعد التوترات».
العقلية الأمنية لإسرائيل
المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي عامر السبايلة، يقول: «إسرائيل أسست لفكرة إقامة السياج منذ سنوات فهي ليست جديدة، والحديث في تل أبيب مستمر على مدار السنوات الماضية حول مسالة تهريب السلاح عبر الحدود مع الأردن».
ويضيف في حديثه للأناضول: «جاءت الأحداث الأخيرة (جسر اللنبي والبحر الميت) ليستخدمها الإسرائيلي تأكيداً لادعاءاته بتهريب السلاح وعدم القدرة على ضبط الحدود (من جانب الأردن)، وضرورة اتخاذ إجراءات أحادية».
ويزيد: «استطاعت بذلك (تل أبيب) أن تقنع الولايات المتحدة أن هناك مشكلة على هذه الحدود، وأنها تتعامل مع أحداث أمنية؛ لشرعنة اتخاذ إجراءات وخطوات أحادية الجانب».
ويقلل السبايلة من تأثير «أساسي» على الأردن جراء بناء الجدار، مرجعاً ذلك إلى أن «العقلية الأمنية للإسرائيلي تتعامل مع المحيط على أنه جبهات فوضى يجب التعامل معها أمنياً، وهو ما يدفعها لاتخاذ هذه الخطوة».