+ A
A -
محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤوللا يكاد يمر شهر رمضان المبارك من كل عام دون أن تضع الدراما السعودية بصمة خزي في مسلسلاتها، ووصمة عار على شاشاتها، بقيادة مهرجها الأكبر ناصر القصبي، والذي أطل هذا العام من قناة «إم بي سي» المعروفة بتوجهاتها الضاغطة على المجتمع، وموادها الهابطة التي تؤذي المشاهد والمستمع.
فما تقدمه بات معلوماً بأنه يتصادم مع قيم إسلامية وأخلاقية.. وفي ذلك دلالة واضحة وقناعة راسخة بأن ما يعرض هو تعبير عن رأي السلطات الرسمية، وبرضا وقبول من أصحاب القرار، فلا يمكن لأي متابع أن يصدق أن ما يعرض من قبيل حرية التعبير في دولة تسجن العلماء والكتّاب والنشطاء نتيجة مقال أو تغريدة أو مقطع فيديو !
منذ سنوات طويلة وهذا دأبهم وديدنهم في كل رمضان، وبصراحة كنت أظن أن هذا التجاوز فردي ومرتبط بشخصية القصبي عندما كان في «طاش ما طاش» ولكن الأمر اتسعت رقعته وأصبح مدعوماً من قناة كاملة، فقلت ربما بعض أجنحة السلطة هناك تدعم هذه التوجهات التي لا تنفك من انتقاد جهود رجال الدين وتسخر منهم..
لكن الآن ومع تواتر هذه الحملات وانتقالها من «تليفزيون» إلى «تويتر»، حتى أضحت تشكل مساحة في «السوشيال ميديا» مسنودة من «ذباب إلكتروني» تأكد لي أن هذا عمل مؤدلج وممنهج، الهدف منه بث أفكار، وتغيير قناعات، وإنكار حقائق، عبر أعمال تافهة، وهاشتاقات سطحية، من أجل تشكيل رأي عام جديد يتبع مصالح فئة متفردة بالقرار، لتعزيز مكاسبها الشخصية، ومطامعها الدنيوية والسلطوية، حتى لو جاء ذلك بالتنازل عن قيم إسلامية وأخلاقية ومقدسات دينية !
ونحن نعلم أن غالبية الشعب السعودي ترفض هذا الإسفاف، ومازال الكثير منهم يهاجم هذه الأعمال، ومتمسكا بمصالح الأمة ومقدساتها.. وإن كان يرى قيادته تنهج غير هذا القرار وتسبح عكس التيار..!
اتسمت الدراما السعودية، الرمضانية خاصة، بتكريس نظرة نمطية، عكست على الدوام عدم قدرة القائمين عليها على تقديم أعمال إبداعية تخرج من جلباب التكرار والسطحية، فهي لا تقدم فكرة ولا تعالج قضية إلا بقدر ما يُسمح لها.
وفي هذا الموسم يتكرر المشهد، مع مسلسل «مخرج 7» الذي يقوم بالبطولة التافهة فيه ناصر القصبي، وكانت البداية الاستهزاء بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الهيئة التي ألغيت، وعرض المشهد في الحلقة الثانية من المسلسل الذي تعرضه قناة «إم بي سي» في هذا الشهر الفضيل، ويظهر فيه القصبي يتحدث بطريقة كوميدية وساخرة عن جماعة لم يسمها، لكن كثيرين لم يفت عليهم إسقاطه على الهيئة الدينية بقوله «هذولاك اللي ما عادوا موجودين».
وإذا كانت هيئة الأمر بالمعروف شأنا داخليا بحتاً، فإن الحلقة الثالثة من المسلسل تناولت شأنا قوميا وإسلاميا وإنسانيا، بل قضية مركزية تهم الأمّة قاطبة، ألا وهي القضية الفلسطينية.
ففي المشهد الذي حمل الدلالة الأكبر والمؤشر الأخطر، جاء حوار القصبي والممثل السعودي راشد الشمراني الذي قال مخاطبًا الأول: «إسرائيل بشر مثلك، إسرائيل موجودة، سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم».
وأضاف الشمراني بلا خجل أو حياء: «ما ضيع العرب طوال هذه السنين إلا القضية الفلسطينية، والنتيجة كلام وجعجعة بلا نتيجة».
وفي مشاهد لاحقة من الحلقة، زعم الشمراني أن الفلسطينيين يتحينون الفرص للهجوم على السعودية، رغم الدعم المالي الذي تقدمه لهم، داعيًا إلى تعزيز التعاون التجاري بين المملكة وإسرائيل.
وتابع: «العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين».
وواضح من كلام الشمراني أنه صدى لصوت السلطة التي أظهرت في السنوات الأخيرة مرونة وصلت حد الانبطاح في مسائل التعامل مع إسرائيل والتقارب مع إعلامها واقتصادها، مما جعل الكثيرين ينظرون لهذه الحلقة التي أثارت ردود فعل غاضبة في الرأي العام الإسلامي على أنها دعوة لقبول فكرة التطبيع مع إسرائيل، وهي كذلك في بعض جوانبها: «إسرائيل بشر مثلك».
لكن جوهر الفكرة، ومضمونها الظاهر والخافي، يتلخص في الكشف عن خطاب الكراهية للشعب الفلسطيني الشقيق والتملص الكامل من قضية العرب والمسلمين الأولى، والإشارة إلى أن فلسطين هي العدو في هذا المقطع من الشمراني بأسلوب «شاروني» : «العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين».
حتى أن المتطرفين الإسرائيليين لم يحلموا بأعمال درامية «عربية» تصل إلى هذا الدرك من المغالاة والحقد الدفين ضد كل ما هو فلسطيني، ولم يكن ذلك مجرد «شطحة» أو خطأ غير مقصود، وإنما جاء ليعبرعن مشاعر قديمة لها أبعادها وجذورها، وإلا لكانت «إم بي سي» أوقفت عرض المسلسل في حينه، واعتذرت عنه ومنه، وهي التي تأتمر بأوامر الرياض وتنفذها حرفيا.
ولم تفوت القناة «12» التليفزيونية الإسرائيلية هذا الحدث البارز، فقالت في تقرير لها عن المسلسل لا يخلو من الاستغراب وربما السعادة: «هذه هي المرة الأولى التي يتحدثون فيها علانية في السعودية عن أن إسرائيل ليست عدواً».
وأضافت: «يدور الحديث عن تغير جوهري، يتجاوز حتى عتبة التطبيع»، وهذا بيت القصيد.
الحديث الآن ليس عن تطبيع بقدر ما هو هجوم عكسي سافر لتصفية القضية الفلسطينية، وتسطيح مكانتها، وتمييع حقوقها، وإطلاق هاشتاغات تتضمن أقذع الألفاظ ضد أهلها، ولو افترضنا أن مسؤولين فلسطينيين وغيرهم وجهوا انتقاداتهم للسياسة السعودية والإماراتية، بسبب عملية التطبيع التي نشهدها منذ فترة، فهل يجوز تحويل الشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية إلى عدو بين ليلة وضحاها عبر عمل كوميدي بهذا السيناريو التافه ؟
المسألة ليست كذلك، ولو أن للسعودية عتبا على بعض الفلسطينيين بسبب تصريح أو تلميح، لكانت واجهت الموضوع حسب حجمه وتأثيره وليس عبر الدعوة للتخلي عن هذه القضية العادلة بترديد «فلسطين ليست قضيتنا»..!
السعودية الجديدة لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى البيانات الإنشائية، والمبادرات الرامية في جوهرها إلى الاعتراف بإسرائيل على حساب الحقوق العربية والإسلامية، أما دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه فلم يكن في أي وقت من الأوقات على الأجندة السعودية الحقيقية، وكل ما يهمها هو تكريس دورها ولو «نظرياً» كدولة إسلامية تحلم أن تكون قائدة، وحتى عندما تدعم فهي تختار حركة أو تنظيما لتسانده ضد أشقائه، ووضعت نفسها طرفا في الوقت الذي كان يجب عليها أن تكون راعية وداعمة ومظلة للكل.
لم يكن الموقف السعودي ينظر إلى القضية الفلسطينية، على أسس قومية أو إنسانية، وإنما شكلت الاعتبارات الدينية صلب موقفها تجاه ما يحدث على أرض فلسطين، وفي مقدمتها المسجد الأقصى الشريف، الذي يعتبر المساس به مساساً بالحرمين الشريفين، لكن الكارثة المذهلة أن يتم تجاوز العامل الديني أيضا، ويصبح الموقف السعودي فارغا بلا أي مضمون، ويتحول الفلسطيني في نظره إلى «عدو» والإسرائيلي إلى «صديق».
وهذا يوضح حقيقة المشاعر الخافية التي تحملها الرياض لقضية العرب والمسلمين الأولى، والتي بدأت تظهر للعيان عبر «الدراما» و«تويتر» وبرعاية رسمية.
ومن يتابع الحملات على «تويتر» ضد فلسطين وشعبها، سوف يكتشف سريعا أن هناك حملة ممنهجة للانسلاخ عن هذه القضية وتوجيه طعنة قاتلة لها، وقد كان في مقدور السلطات السعودية أن تلم شمل الفلسطينيين جميعا تحت لوائها وجناحها لو كانت حريصة فعلا عليهم، لكنها آثرت التقاط بعض الانتقادات الفلسطينية ضد سياسة التطبيع، لتكشر عن أنياب سامة، وتبدأ حملتها الواسعة عبر الصحف والتليفزيونات ووسائل التواصل، للنيل من هذه القضية وتصفيتها وليس من الذين أزعجتها تصريحاتهم.
ما سمعناه عبر «مخرج 7» ومواقع التواصل و«الهاشتاغات» لا يليق بمكانة السعودية، ولا بشعبها المسلم والمؤمن بالمقدسات الإسلامية، وهو ما يجعلنا نأمل أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، وأن تعود الرياض إلى الركب العربي والإسلامي، حاملة لواء حماية «أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين»، إذ أن التفريط بفلسطين ومقدساتها لن يقف عند هذه الحدود على الإطلاق، والبرامج والأعمال التليفزيونية و«الهاشتاغات» لن تمنح السعودية حصانة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية.
آخر نقطة..
فلسطين قضية عربية وإسلامية وأخلاقية ووجودية، والتفريط بها يعني تفريطا بسيادة العرب والمسلمين ومقدساتهم، وإذا أرادت المملكة أن تكون عظمى، كما يحلم أبناؤها، في وسائل التواصل الاجتماعي، فعليها قبل أن تفكر في أن تكون حامية وحمى للأمة.. أن تتخلص من تبعية النظام الظبياني ودوره «الشيطاني».. الآن وفوراً !!
رئيس التحرير المسؤوللا يكاد يمر شهر رمضان المبارك من كل عام دون أن تضع الدراما السعودية بصمة خزي في مسلسلاتها، ووصمة عار على شاشاتها، بقيادة مهرجها الأكبر ناصر القصبي، والذي أطل هذا العام من قناة «إم بي سي» المعروفة بتوجهاتها الضاغطة على المجتمع، وموادها الهابطة التي تؤذي المشاهد والمستمع.
فما تقدمه بات معلوماً بأنه يتصادم مع قيم إسلامية وأخلاقية.. وفي ذلك دلالة واضحة وقناعة راسخة بأن ما يعرض هو تعبير عن رأي السلطات الرسمية، وبرضا وقبول من أصحاب القرار، فلا يمكن لأي متابع أن يصدق أن ما يعرض من قبيل حرية التعبير في دولة تسجن العلماء والكتّاب والنشطاء نتيجة مقال أو تغريدة أو مقطع فيديو !
منذ سنوات طويلة وهذا دأبهم وديدنهم في كل رمضان، وبصراحة كنت أظن أن هذا التجاوز فردي ومرتبط بشخصية القصبي عندما كان في «طاش ما طاش» ولكن الأمر اتسعت رقعته وأصبح مدعوماً من قناة كاملة، فقلت ربما بعض أجنحة السلطة هناك تدعم هذه التوجهات التي لا تنفك من انتقاد جهود رجال الدين وتسخر منهم..
لكن الآن ومع تواتر هذه الحملات وانتقالها من «تليفزيون» إلى «تويتر»، حتى أضحت تشكل مساحة في «السوشيال ميديا» مسنودة من «ذباب إلكتروني» تأكد لي أن هذا عمل مؤدلج وممنهج، الهدف منه بث أفكار، وتغيير قناعات، وإنكار حقائق، عبر أعمال تافهة، وهاشتاقات سطحية، من أجل تشكيل رأي عام جديد يتبع مصالح فئة متفردة بالقرار، لتعزيز مكاسبها الشخصية، ومطامعها الدنيوية والسلطوية، حتى لو جاء ذلك بالتنازل عن قيم إسلامية وأخلاقية ومقدسات دينية !
ونحن نعلم أن غالبية الشعب السعودي ترفض هذا الإسفاف، ومازال الكثير منهم يهاجم هذه الأعمال، ومتمسكا بمصالح الأمة ومقدساتها.. وإن كان يرى قيادته تنهج غير هذا القرار وتسبح عكس التيار..!
اتسمت الدراما السعودية، الرمضانية خاصة، بتكريس نظرة نمطية، عكست على الدوام عدم قدرة القائمين عليها على تقديم أعمال إبداعية تخرج من جلباب التكرار والسطحية، فهي لا تقدم فكرة ولا تعالج قضية إلا بقدر ما يُسمح لها.
وفي هذا الموسم يتكرر المشهد، مع مسلسل «مخرج 7» الذي يقوم بالبطولة التافهة فيه ناصر القصبي، وكانت البداية الاستهزاء بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الهيئة التي ألغيت، وعرض المشهد في الحلقة الثانية من المسلسل الذي تعرضه قناة «إم بي سي» في هذا الشهر الفضيل، ويظهر فيه القصبي يتحدث بطريقة كوميدية وساخرة عن جماعة لم يسمها، لكن كثيرين لم يفت عليهم إسقاطه على الهيئة الدينية بقوله «هذولاك اللي ما عادوا موجودين».
وإذا كانت هيئة الأمر بالمعروف شأنا داخليا بحتاً، فإن الحلقة الثالثة من المسلسل تناولت شأنا قوميا وإسلاميا وإنسانيا، بل قضية مركزية تهم الأمّة قاطبة، ألا وهي القضية الفلسطينية.
ففي المشهد الذي حمل الدلالة الأكبر والمؤشر الأخطر، جاء حوار القصبي والممثل السعودي راشد الشمراني الذي قال مخاطبًا الأول: «إسرائيل بشر مثلك، إسرائيل موجودة، سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم».
وأضاف الشمراني بلا خجل أو حياء: «ما ضيع العرب طوال هذه السنين إلا القضية الفلسطينية، والنتيجة كلام وجعجعة بلا نتيجة».
وفي مشاهد لاحقة من الحلقة، زعم الشمراني أن الفلسطينيين يتحينون الفرص للهجوم على السعودية، رغم الدعم المالي الذي تقدمه لهم، داعيًا إلى تعزيز التعاون التجاري بين المملكة وإسرائيل.
وتابع: «العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين».
وواضح من كلام الشمراني أنه صدى لصوت السلطة التي أظهرت في السنوات الأخيرة مرونة وصلت حد الانبطاح في مسائل التعامل مع إسرائيل والتقارب مع إعلامها واقتصادها، مما جعل الكثيرين ينظرون لهذه الحلقة التي أثارت ردود فعل غاضبة في الرأي العام الإسلامي على أنها دعوة لقبول فكرة التطبيع مع إسرائيل، وهي كذلك في بعض جوانبها: «إسرائيل بشر مثلك».
لكن جوهر الفكرة، ومضمونها الظاهر والخافي، يتلخص في الكشف عن خطاب الكراهية للشعب الفلسطيني الشقيق والتملص الكامل من قضية العرب والمسلمين الأولى، والإشارة إلى أن فلسطين هي العدو في هذا المقطع من الشمراني بأسلوب «شاروني» : «العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين».
حتى أن المتطرفين الإسرائيليين لم يحلموا بأعمال درامية «عربية» تصل إلى هذا الدرك من المغالاة والحقد الدفين ضد كل ما هو فلسطيني، ولم يكن ذلك مجرد «شطحة» أو خطأ غير مقصود، وإنما جاء ليعبرعن مشاعر قديمة لها أبعادها وجذورها، وإلا لكانت «إم بي سي» أوقفت عرض المسلسل في حينه، واعتذرت عنه ومنه، وهي التي تأتمر بأوامر الرياض وتنفذها حرفيا.
ولم تفوت القناة «12» التليفزيونية الإسرائيلية هذا الحدث البارز، فقالت في تقرير لها عن المسلسل لا يخلو من الاستغراب وربما السعادة: «هذه هي المرة الأولى التي يتحدثون فيها علانية في السعودية عن أن إسرائيل ليست عدواً».
وأضافت: «يدور الحديث عن تغير جوهري، يتجاوز حتى عتبة التطبيع»، وهذا بيت القصيد.
الحديث الآن ليس عن تطبيع بقدر ما هو هجوم عكسي سافر لتصفية القضية الفلسطينية، وتسطيح مكانتها، وتمييع حقوقها، وإطلاق هاشتاغات تتضمن أقذع الألفاظ ضد أهلها، ولو افترضنا أن مسؤولين فلسطينيين وغيرهم وجهوا انتقاداتهم للسياسة السعودية والإماراتية، بسبب عملية التطبيع التي نشهدها منذ فترة، فهل يجوز تحويل الشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية إلى عدو بين ليلة وضحاها عبر عمل كوميدي بهذا السيناريو التافه ؟
المسألة ليست كذلك، ولو أن للسعودية عتبا على بعض الفلسطينيين بسبب تصريح أو تلميح، لكانت واجهت الموضوع حسب حجمه وتأثيره وليس عبر الدعوة للتخلي عن هذه القضية العادلة بترديد «فلسطين ليست قضيتنا»..!
السعودية الجديدة لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى البيانات الإنشائية، والمبادرات الرامية في جوهرها إلى الاعتراف بإسرائيل على حساب الحقوق العربية والإسلامية، أما دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه فلم يكن في أي وقت من الأوقات على الأجندة السعودية الحقيقية، وكل ما يهمها هو تكريس دورها ولو «نظرياً» كدولة إسلامية تحلم أن تكون قائدة، وحتى عندما تدعم فهي تختار حركة أو تنظيما لتسانده ضد أشقائه، ووضعت نفسها طرفا في الوقت الذي كان يجب عليها أن تكون راعية وداعمة ومظلة للكل.
لم يكن الموقف السعودي ينظر إلى القضية الفلسطينية، على أسس قومية أو إنسانية، وإنما شكلت الاعتبارات الدينية صلب موقفها تجاه ما يحدث على أرض فلسطين، وفي مقدمتها المسجد الأقصى الشريف، الذي يعتبر المساس به مساساً بالحرمين الشريفين، لكن الكارثة المذهلة أن يتم تجاوز العامل الديني أيضا، ويصبح الموقف السعودي فارغا بلا أي مضمون، ويتحول الفلسطيني في نظره إلى «عدو» والإسرائيلي إلى «صديق».
وهذا يوضح حقيقة المشاعر الخافية التي تحملها الرياض لقضية العرب والمسلمين الأولى، والتي بدأت تظهر للعيان عبر «الدراما» و«تويتر» وبرعاية رسمية.
ومن يتابع الحملات على «تويتر» ضد فلسطين وشعبها، سوف يكتشف سريعا أن هناك حملة ممنهجة للانسلاخ عن هذه القضية وتوجيه طعنة قاتلة لها، وقد كان في مقدور السلطات السعودية أن تلم شمل الفلسطينيين جميعا تحت لوائها وجناحها لو كانت حريصة فعلا عليهم، لكنها آثرت التقاط بعض الانتقادات الفلسطينية ضد سياسة التطبيع، لتكشر عن أنياب سامة، وتبدأ حملتها الواسعة عبر الصحف والتليفزيونات ووسائل التواصل، للنيل من هذه القضية وتصفيتها وليس من الذين أزعجتها تصريحاتهم.
ما سمعناه عبر «مخرج 7» ومواقع التواصل و«الهاشتاغات» لا يليق بمكانة السعودية، ولا بشعبها المسلم والمؤمن بالمقدسات الإسلامية، وهو ما يجعلنا نأمل أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، وأن تعود الرياض إلى الركب العربي والإسلامي، حاملة لواء حماية «أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين»، إذ أن التفريط بفلسطين ومقدساتها لن يقف عند هذه الحدود على الإطلاق، والبرامج والأعمال التليفزيونية و«الهاشتاغات» لن تمنح السعودية حصانة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية.
آخر نقطة..
فلسطين قضية عربية وإسلامية وأخلاقية ووجودية، والتفريط بها يعني تفريطا بسيادة العرب والمسلمين ومقدساتهم، وإذا أرادت المملكة أن تكون عظمى، كما يحلم أبناؤها، في وسائل التواصل الاجتماعي، فعليها قبل أن تفكر في أن تكون حامية وحمى للأمة.. أن تتخلص من تبعية النظام الظبياني ودوره «الشيطاني».. الآن وفوراً !!