هناك الكثير من المواقف التي أدلى بها الشيخ الترابي في شهادته عن واقع الحركة الإسلامية العالمية، وكيف أن العلاقات التنظيمية الخاصة صُنع منها بالفعل جماعة دون المجتمع، ووطن دون جماعة الوطن، رغم أن الترابي نفسه، انتقد الفقه الحركي مراراً من خلل فقه الدعوة ومآلها، لكنه ساهم في الخلل مساهمة كبيرة، لدرجة أن المراقب لشهادته يشعر بأن الشيخ حسن كان متناقضاً في ذلك.
وقد لفت نظري وهو يسرد ألمه في دورات الاعتقال الأخيرة، بأن فريق التحقيق الأمني الشاب، كان من كوادر الحركة الإسلامية - جناح علي عثمان - وأنهم على هامش قضية الاعتقال، هاجموه لحل التنظيم الإخواني الخاص، وغضب عليهم كون أن ذلك الأمر تم برأي الغالبية الساحقة، التي لم تر مبرراً لوجوده بعد قيام الدولة، والغريب أن يبقى هؤلاء الشباب معبئين بفكرة التنظيم الدولي العالمي إلى ذلك التاريخ.
هنا لوحة من الفوضى لا تخص السودان فقط، وإنما أزمة التفكير الحركي وخطورة دفع الشباب في تصورات وبنية تنظيمية لا تمثل حماية لهم، وتعيق اندياحهم الوطني، وصقل تجربتهم، وهو مؤشر لأزمة البناء الحزبي للحركة الإسلامية، وحاجتها الضرورية لإعادة التقييم.
خاصة أنها اليوم تعيد ربط هويتها وفكرها، ومشروعها السياسي بالمشروع التركي القومي، بعد أن كانت فترة مرتبطة بتأثير المشروع السعودي، وليس ذلك رفضاً للتقاطع أو الاضطرار الإنساني، أو المصالح المشتركة للمسلمين، ولكن من خلال غياب فهم التاريخ القومي لكل دولة، وطبيعة المجتمع والتطورات السياسية، التي قد تتغير ظروفها، والحاجة لأن تفهم الحركات العربية، كيف تصنع البناء الفكري الاستراتيجي لأقطارها، وبين مواسم اللجوء والهجرة، وهذه دلالات مهمة، لأجيال الشباب الإسلامي الذين يزداد اهتمامهم بفكر النهضة.
ولقد برر الشيخ الترابي بقاء العلاقة الدولية، سواء عبر المؤتمر الشعبي، أو عبر ما قال إنه تواصل تنظيمي خاص مستمر، بين الحركات الإسلامية لمصالح الأمة الثقافية، ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها جمعياً، وفي اعتقادي أن هناك الكثير مما ينتقد في نظريته، في ظل واقع تشرذم ومطاردة الحركات الإسلامية، بعد اسقاط الربيع، وجدوى تلك الروابط، التي كان الترابي يؤكد باستمرار على خلافه مع طريقة تفكيرها.
هناك مسارات تطرح على مستوى القلق الإسلامي الحزبي، الذي يجعل هذه المنظومة قائمة، وهي الاستهداف العالمي وأنظمة الاستبداد للحركة، والهم الثقافي المشترك، وربما السعي لنقل مفاهيم تطبيق الشريعة الإسلامية والترويج لها، بحسب فهم الدعوة على مستوى الوطن العربي.
والمشكلة هنا أن كل هذه المسارات لم تتحقق، وهنا نطرح تساؤلا هل تحول الحركات الإسلامية، إلى منظومات دعوية قُطرية وفصل العمل السياسي عن الدعوة، وانخراط شخصيات وشباب الحركات الإسلامية بمشاريع العمل العام، والشأن السياسي، دون أن يكون ذلك ضمن رابط دعوي حزبي، هو من صالح الحركة الإسلامية، أم أن من صالحها البقاء في هذا القالب؟
فلا الأمن الإنساني تحقق لها، فمطاردتها القاسية قائمة، ولا استطاعت منع ثقافة العولمة المادية الوجودية، وخسرت بصناعة الخندق المقابل للمثقف الآخر في وطنها، الذي رأى في الانتماء الدولي مهدداً له، أكان صادقاً في خوفه أو مزايداً فيه، واستثمرت الحكومات المستبدة التحريض الشرس، في حين نلحظ أن التواصل بين المدارس وتوجهات الدعوة، لدى الدعاة ومدارس الفقه في العالم الإسلامي قديماً، كانت قائمة دون هياكل التنظيمات.
وهنا لا يُطرح حل الجماعات المعتنية بالدعوة، فالتكتلات الفقهية والصوفية والدعوية ستستمر، لكن فرز التكوينات والمشاركات السياسية وجعلها في إطار العمل العام والسياسي، يساعد أبناء الحركات على إعادة تأهيل ذاتهم الفكرية وشراكتهم الوطنية، كما أن تحرير الدعوات والاهتمامات الإسلامية، لتكون جسورها ممتدة علناً مع العالم الإسلامي في الموطن والمهجر، يفتح الأبواب لتعاون واسع، يتخلص من حساسيات ضخمة.
كل ذلك لا يهوّن من أهمية المراجعة الأخلاقية، لانحراف سلوكيات كبرى في الدعوة التربوية، وطغيان التعصب والمصالح المادية، وغياب المعيار الأخلاقي في التعامل مع الناس، الذي قدمت فيه التجربة السودانية درساً ضخماً للتاريخ.بقلم: مهنا الحبيل
وقد لفت نظري وهو يسرد ألمه في دورات الاعتقال الأخيرة، بأن فريق التحقيق الأمني الشاب، كان من كوادر الحركة الإسلامية - جناح علي عثمان - وأنهم على هامش قضية الاعتقال، هاجموه لحل التنظيم الإخواني الخاص، وغضب عليهم كون أن ذلك الأمر تم برأي الغالبية الساحقة، التي لم تر مبرراً لوجوده بعد قيام الدولة، والغريب أن يبقى هؤلاء الشباب معبئين بفكرة التنظيم الدولي العالمي إلى ذلك التاريخ.
هنا لوحة من الفوضى لا تخص السودان فقط، وإنما أزمة التفكير الحركي وخطورة دفع الشباب في تصورات وبنية تنظيمية لا تمثل حماية لهم، وتعيق اندياحهم الوطني، وصقل تجربتهم، وهو مؤشر لأزمة البناء الحزبي للحركة الإسلامية، وحاجتها الضرورية لإعادة التقييم.
خاصة أنها اليوم تعيد ربط هويتها وفكرها، ومشروعها السياسي بالمشروع التركي القومي، بعد أن كانت فترة مرتبطة بتأثير المشروع السعودي، وليس ذلك رفضاً للتقاطع أو الاضطرار الإنساني، أو المصالح المشتركة للمسلمين، ولكن من خلال غياب فهم التاريخ القومي لكل دولة، وطبيعة المجتمع والتطورات السياسية، التي قد تتغير ظروفها، والحاجة لأن تفهم الحركات العربية، كيف تصنع البناء الفكري الاستراتيجي لأقطارها، وبين مواسم اللجوء والهجرة، وهذه دلالات مهمة، لأجيال الشباب الإسلامي الذين يزداد اهتمامهم بفكر النهضة.
ولقد برر الشيخ الترابي بقاء العلاقة الدولية، سواء عبر المؤتمر الشعبي، أو عبر ما قال إنه تواصل تنظيمي خاص مستمر، بين الحركات الإسلامية لمصالح الأمة الثقافية، ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها جمعياً، وفي اعتقادي أن هناك الكثير مما ينتقد في نظريته، في ظل واقع تشرذم ومطاردة الحركات الإسلامية، بعد اسقاط الربيع، وجدوى تلك الروابط، التي كان الترابي يؤكد باستمرار على خلافه مع طريقة تفكيرها.
هناك مسارات تطرح على مستوى القلق الإسلامي الحزبي، الذي يجعل هذه المنظومة قائمة، وهي الاستهداف العالمي وأنظمة الاستبداد للحركة، والهم الثقافي المشترك، وربما السعي لنقل مفاهيم تطبيق الشريعة الإسلامية والترويج لها، بحسب فهم الدعوة على مستوى الوطن العربي.
والمشكلة هنا أن كل هذه المسارات لم تتحقق، وهنا نطرح تساؤلا هل تحول الحركات الإسلامية، إلى منظومات دعوية قُطرية وفصل العمل السياسي عن الدعوة، وانخراط شخصيات وشباب الحركات الإسلامية بمشاريع العمل العام، والشأن السياسي، دون أن يكون ذلك ضمن رابط دعوي حزبي، هو من صالح الحركة الإسلامية، أم أن من صالحها البقاء في هذا القالب؟
فلا الأمن الإنساني تحقق لها، فمطاردتها القاسية قائمة، ولا استطاعت منع ثقافة العولمة المادية الوجودية، وخسرت بصناعة الخندق المقابل للمثقف الآخر في وطنها، الذي رأى في الانتماء الدولي مهدداً له، أكان صادقاً في خوفه أو مزايداً فيه، واستثمرت الحكومات المستبدة التحريض الشرس، في حين نلحظ أن التواصل بين المدارس وتوجهات الدعوة، لدى الدعاة ومدارس الفقه في العالم الإسلامي قديماً، كانت قائمة دون هياكل التنظيمات.
وهنا لا يُطرح حل الجماعات المعتنية بالدعوة، فالتكتلات الفقهية والصوفية والدعوية ستستمر، لكن فرز التكوينات والمشاركات السياسية وجعلها في إطار العمل العام والسياسي، يساعد أبناء الحركات على إعادة تأهيل ذاتهم الفكرية وشراكتهم الوطنية، كما أن تحرير الدعوات والاهتمامات الإسلامية، لتكون جسورها ممتدة علناً مع العالم الإسلامي في الموطن والمهجر، يفتح الأبواب لتعاون واسع، يتخلص من حساسيات ضخمة.
كل ذلك لا يهوّن من أهمية المراجعة الأخلاقية، لانحراف سلوكيات كبرى في الدعوة التربوية، وطغيان التعصب والمصالح المادية، وغياب المعيار الأخلاقي في التعامل مع الناس، الذي قدمت فيه التجربة السودانية درساً ضخماً للتاريخ.بقلم: مهنا الحبيل