لم تكُنْ غزوة أُحدٍ بالنسبة إلى قريش مجرَّد نزالٍ ثانٍ مع المسلمين، وإنما كانت معركة ثأر، فقد مرَّغ الإسلام العظيم كبرياءها عند آبار بدر، وتركَ صناديدها صرعى على رمال الصحراء، لهذا جاءتْ بخيلها ورَجْلها تطلبُ ثأرها!

أما في معسكر المسلمين فالاستعدادات كانت على قدم وساق للنزال، النبيُّ صلى الله عليه وسلم لبس درعين لا درعاً واحداً ليعلمنا ثقافة الأخذ بالأسباب، وأن صاحب الدعوة أول من يذود عنها، حمزة قائد هيئة الأركان أخذ موقعه ومن خلفه خيرة رجالٍ مروا على ظهر هذه الأرض، وعلى الجبل تسمَّر الرماة بالأمر النبوي القاطع: لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُنصر فلا تشاركونا، وإن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا!

وبدأ القتال.. وسرعان ما ولَّتْ قريش أدبارها متجرعة بعض الذي تجرعته في بدر، عندها نزل الرماة عن الجبل مخالفين الأمر النبوي الشريف، فاستغل خالد بن الوليد الموقف، والتفَّ بفرسانه من وراء الجبل وحوَّل نصر المسلمين إلى هزيمة!

انسحبَ المسلمون إلى الجبل ليصعب على قريش تتبعهم، وشُجَّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكُسرتْ مقدمة أسنانه، وهو يمسحُ الدم عن وجهه الشريف ويقول: كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم!

وعند الجبل أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصعد على صخرة فلم يستطع بأبي هو وأمي بسبب ثقل الدرعين، وما أصاب الجسد الشريف من جراح، عندها انحنى طلحة بن عبيد الله وجعل من جسمه درجاً يرقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليصعد إلى الصخرة، فلما وصل إليها قال: أوْجَبَ طلحة! أي وجبتْ له الجنة!

أوجبَ طلحة لأنه جعل من نفسه سُلَّماً يرقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن باب الوجوب لم يُغلق بعد، فما زال بإمكاننا أن نُدركَ طلحة، النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنا بجسده لنذلل له الظهور والرقاب ليصعد عليها، ولكن دينه وشرعه وسنته بيننا، وكل من حمل هذا الدين على عاتقه يرقى فقد أوجبَ، وأدركَ بإذن الله طلحة!

أيها المجاهد الذي وضع روحه على كفه لإعلاء كلمة لا إله إلا الله قد أوجبتَ!

أيها الداعية الذي قال كلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم، ودلَّ الناس على الله قد أوجبتَ!

أيتها الفتاة التي امتثلتْ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب والعفة ليعود الإسلام سيرته الأولى قد أوجبتِ!

أيها الشاب الذي راوده الإعلام الهابط عن دينه فقال معاذ الله، وزاحم في حِلق الذِّكر، وحلقات التحفيظ، وأدام السير إلى المسجد قد أوجبتَ!

أيها الأبُ الذي أمر أولاده الصلاة أبناء سبع، ودربهم على الصيام منذ نعومة أظفارهم، قد أوجبتَ!

أيها المُدرِّس الباحث بين تلاميذه عن أبي بكر وعمر قد أوجبتَ!

أيها الطبيب الإنسان، وأيها النجار الصادق، وأيها الموظف الأمين، وأيها الابن البار، وأيها الجار الصالح، وأيها الأخ الحنون، وأيتها الزوجة المُحبة، وأيتها الكِنَّة الخلوقة، قد أوجبتم جميعاً بإذن الله!

فكلما ضاقت الدنيا بكم، وراودتكم عن أخلاقكم ودينكم، تذكروا أن الجنة قد وجبت لطلحة لأنه كان سُلماً لهذا الدين، وتخيلوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوجبتَ فلان وينطقُ اسمك!