قال تعالى: «... وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ...» صدق الله العظيم.

ما أكثر أوهام رئيس الحكومة الإسرائيلي «نتانياهو»!، فكل ما تقوم به قوات الاحتلال، من عدوان متوحش، في غزة، والضفة الغربية، يثبت أن الصراع ليس مجرد معركة حول الأرض؛ بل جزء من رؤية صهيونية لـ «نتانياهو»، لتنفيذ مشروع أيديولوجي يرتكز على خرافات «إسرائيل الكبرى»- المزعومة.

ولطمس ما هو قائم على الأرض، وفرض واقع إقليمي مغاير؛ بإعادة ترتيب موازين القوى، ورسم خريطة للشرق الأوسط الجديد كان قد لوح بها «نتانياهو» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2023م. وجاءت خالية من فلسطين، جغرافياً «أرض»، وديموغرافياً «سكان». وبما ينسف ما تبقى من اتفاقية أوسلو – أول اتفاقية رسمية مباشرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس السلطة الفلسطيني ياسر عرفات «آنذاك» وبرعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون في 13 سبتمبر عام 1993م-؛ وإعلان وفاة لـ«حل الدولتين»، واستيطان ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

ومن أجل تسريع المشروع الاستيطاني الصهيوني بالأراضي المحتلة؛ فإن جيش الكيان الإسرائيلي يخوض حروب الإبادة الجماعية على جبهات متعددة، ومنها قطاع غزة، والضفة الغربية. وهو يتوهم بأنه كلما زاد توحشاً ضد المدنيين العزل، وتساقط الشهداء، والمصابين، ودمر البنية التحتية، وقضى على كافة مظاهر الحياة؛ فإنه يستطيع تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة. مما يجعل الطريق أمام الصهيونية الإسرائيلية مفتوحاً لتنفيذ مخططها التوسعي الاستعماري؛ بما يضمن لها الهيمنة والسيادة، والسيطرة الأمنية والعسكرية الإقليمية؛ والتي تحركها نبوءات دينية.

وهذه المشاعر الدينية؛ قد احتلت مركز الصدارة في السنوات الأخيرة، مع سيطرة حكومات اليمين المتطرف، التي شكلها «نتانياهو»؛ وهم يتوهمون أن جيش الاحتلال يقاتل «العماليق» – هو اسم مستوحى من التوراة كان يطلقه العرب على قبائل سكنت شبة الجزيرة العربية قبل هجرتها للشام والعراق ومصر-. ولذلك يعتقدون أن حرب «غزة»، فرصة لتنفيذ خطة بتسلئيل سموتريش- وزير المالية في حكومة الكيان الإسرائيلي، وتسمى «أمل وحيد» لضم الضفة الغربية بالكامل، والتوسعات الاستيطانية، بهدف فرض واقع على الأرض، لا رجعة فيه. الأمر الذي يعني دفن أي فكرة مشروع إقامة كيان سياسي فلسطيني في تلك المناطق، وتهجير الفلسطينيين ونفي وجودهم؛ لتصفية القضية الفلسطينية.

ومن أجل ذلك، لعب «نتانياهو» بورقة «خطة الجنرالات»–مبادرة من عضو الكنيست الإسرائيلي، أفيحاي بوروان، ورَسم ملامحها جنرالات علمانيين ليبراليين إسرائيليين في عام 2000، ثم عادت للواجهة (عام 2019م). ويجري تطبيقها الآن-.؛ وتقوم فكرتها على تغيير اتجاه الحرب ووقف خطط الانسحاب من قطاع غزة، والعودة إلى مشاريع ترحيل السكان الفلسطينيين، وإعلان شمال القطاع «منطقة عسكرية مغلقة»، وفي مرحلة لاحقة، يتم تعميم الخطة على بقية أنحاء القطاع. باعتبارها الطريقة الوحيدة لهزيمة حركة المقامة الإسلامية الفلسطينية «حماس»؛ والتي أحدثت زلزالا، بمعركة «طوفان الأقصى»، في السابع من شهر أكتوبر (عام 2023م).

وقد كشف «طوفان الأقصى» الأزمة المركبة التي يعيشها «نتانياهو»، والتخبط السياسي، والهوة المجتمعية، والتصدعات العميقة؛ التي تسببت بهزيمة قاسية، ليس لرئيس حكومة الكيان الإسرائيلي فحسب؛ بل للمشروع الصهيوني، بطابعه الاستعماري، الاستيطاني والديني، العنصري. كما كشفت زيف السرديات الإسرائيلية، و«البروباغندا» الصهيونية، بالنسبة للنظرية الأمنية، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر!.

ومنذ اليوم الأول لحرب «غزة»، لجأ «نتانياهو» – كعادته-، تزييف الحقائق، والترويج الأكاذيب، وتسمية جرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبها جيش الاحتلال، بأنها صراع بين الخير والشرّ، وعالم النور وعالم الظلام. وأن الكيان الإسرائيلي يمثل رأس الحربة في حرب الأخيار ضدّ الأشرار، وحرب المتحضرين ضدّ المتوحشين. ولم يكن هذا الخطاب بالجديد على فكر «نتانياهو»، بل يقع في جوهر تصوراته الأيديولوجية؛ لدرجة أنه يعتبر الصراع مع حركات المقاومة الفلسطينية، هو جزء من صدام الحضارات، وأن إسرائيل وكيلة عن الحضارة الغربية في صراعها مع الشرق. وقد وصف «نتانياهو» في كتابه «مكان تحت الشمس»، الحركة الصهيونية، والاستيطان، وهجرات اليهود منذ (عام1882م)، بأنها كانت مشروعاً تحديثياً لفلسطين؛ بدون أي مساهمات من الفلسطينيين.

وهكذا يبدو «نتانياهو» كولينالي «استعماري- استيطاني» في تعاطيه مع القضية الفلسطينية. وكأن كل من يتحدى المشروع الصهيوني والنفوذ الغربي هو من الأشرار. حتى أنه اعتبر العداء الفلسطيني والعربي للكيان الإسرائيلي، لا ينطلق من كون إسرائيل دولة مستعمرة، أو يهودية؛ بل ناعاً من حالة الحقد على الحضارة الغربية. مما يجعل الصراع متجذر وأبدي، بلا حلول أو تسويات سياسية؛ وأنه لن يحسمه سوى استسلام المقاومة، وتسليم الفلسطينيين بالأحقية الصهيونية التاريخية، والسياسية، والدينية، وقبول العرب بالحضارة الغربية، وفي القلب منها «إسرائيل الكبرى». وهذا يعكس البعد الأيديولوجي، الذي تتجاوز معه طموحات «نتانياهو» التوسعية حدود فلسطين لتشمل إعادة تشكيل جغرافيا الشرق الأوسط بأسره.

إن الفلسطينيين، والأمة العربية، أمام مفترق طرق خطير، والرهان على موقف عربي يترجم بيانات الشجب والإدانة الأقوال إلى الأفعال، مع إعادة ترتيب للبيت الفلسطيني من الداخل، ورفع الوعي المقاوم، لوقف الأطماع التوسعية الإسرائيلية الصهيونية. وذلك قبل أن تعيد إسرائيل رسم خرائط المنطقة، وفقاً لرؤيتها التلمودية، ويسبح الواقع الإقليمي في دوامة الحروب والكوارث الإنسانية التي لن تنتهي؛ من أجل أوهام «نتانياهو».Moiharby1968@yahoo.com