المرسوم الأميري رقم 87 لسنة 2024، الذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، بدعوة من أتموا سن الثامنة عشرة من المواطنين للمشاركة في استفتاء عام على التعديلات الدستورية يوم الثلاثاء الموافق الخامس من هذا الشهر، يعتبر في حد ذاته ترجمة عملية لمبدأ المساواة في المواطنة دون تمييز، إذ لم يفرِّق بين مواطن وآخر، كما يعكس مدى الأهمية الكبرى التي يوليها سمو الأمير حفظه الله لرأي الشعب، وحرصه على مشاركة أبناء الوطن في إقرار القضايا التي تنظم شؤون المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك بأخذ رأيه ومشورته في التعديلات الدستورية التي وضعتها الحكومة بتوجيهات سموه الرشيدة، وأقرها مجلس الشورى بالإجماع.
تأتي هذه التعديلات لمواكبة ما استجد وما يستجد من وقائع وأحداث على كافة الأصعدة، والحمد لله يحظى المواطن القطري بنصيب من العلم والوعي والثقافة يدرك به أنه مثلما يتمتع بالحقوق يلتزم بالواجبات، وهذا هو جوهر المشاركة الشعبية السليمة التي لا تشوبها شائبة، ولهذا سنقول ألف نعم ونعم بالبنط العريض لهذه التعديلات، وألف نعم ونعم لمستقبل دعائمه العدالة والمساواة بين أفراده في الحقوق والواجبات.
المواطنة الحقة هي كما وصفها سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه بقوله في تحديد العلاقة بين المواطن ونظام الحكم بـ «علاقة الأهل» إنه وصف فريد يزكي عند كل واحد من الشعب الشعور عمق الانتماء للوطن والولاء للقيادة السياسية، وبالتالي يشارك بحماس في بنائه ونهضته وقوته، عبارة سموه هذه جاءت بمثابة الحصن المنيع للمجتمع ضد أية فوارق طبقية أو فوارق من أي نوع آخر، ولا أقول وضعت الجميع على مسافة واحدة من القيادة، وإنما عززت التلاحم بين الشعب والقيادة، عبارة سيخلدها التاريخ السياسي للدولة.
لقد تعودنا من سمو الأمير الرأي السديد والنظرة الثاقبة الاستباقية للأحداث، تعودنا على العز والخير والأخبار السارة التي يعكسها كل قرار أو مرسوم من لدن سموه، فالتعديلات الدستورية التي يجري الاستفتاء عليها جاءت نتيجة تجربة ثرية ومراجعة دقيقة وتقييم موضوعي لما أسفرت عنه، فليست تعديلات عفوية أو تعديلات لمجرد التعديلات، وإنما إجراءات ضرورية وحتمية تفرضها المصلحة العليا للوطن والمواطن.
ما يشهده العالم من أحداث هذه الأيام، ومن تغيرات متسارعة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لم نعهدها في أية حقبة تاريخية مضت تفرض المرونة في الدساتير والقوانين، فهي ليست نصوصا مقدسة أو لا يجوز تعديلها، وليست نصوصا سرمدية أو أبدية لا يمكن المساس بها، وإنما مرنة قابلة للتعديل الجزئي، وليس هذا فحسب بل وللتغيير الكلي إذا اقتضت الضرورة والمصلحة العليا ذلك، لا يمكن بحال من الأحوال تجميدها تجميدا أبديا، بل يلزم إتاحة الفرصة لتعديلها كلما اقتضت الضرورة ذلك، حتى تتلاءم مع المتغيرات التي تطرأ على المجتمع.
الدساتير توضع في ظروف مجتمعية وسياسية محلية ودولية معينة تؤثر فيها وتتأثر بها، تحدد سياسة الدولة وقوانينها تبعا لعصرها، وتوطد المشاركة الشعبية، وترسي الدعائم الأساسية للمجتمع، والاستفتاء عليها يجسد المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ويضمن الحقوق والحريات لكل مواطن، وقد تتبدل الظروف المجتمعية والسياسية وتتغير مثلما نرى في العالم من حولنا، وهذا يستدعي من أي دولة طموحة إعادة النظر في الدساتير باتجاه التعديل أو التغيير لتظل تؤدي دورها الإيجابي، وهذا ما تلجأ إليه الدول الحيوية التي تواكب العصر وترفض التكلس، وتحافظ على تماسك المجتمع، وتحمي تآلف وتوافق أفراده، ومشهود لدولتنا بأنها دولة حيوية، عززت رفاهية مواطنيها، وطورت اقتصادها، وحدَّثت بنيتها التحتية، وها هي تسير بخطى حثيثة في اتجاه تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، وكل خطواتها محسوبة وقراراتها مدروسة.
من يطالع نصوص المواد الدستورية المزمع تعديلها والنصوص المقترحة، يتأكد أنها تعديلات صائبة، لا تنال أو تنتقص من صلاحيات مجلس الشورى وإنما تعززها وتؤكدها، وتأتي استجابة لتطلعات المواطنين بضرورة الحفاظ على مجتمعنا من أي شيء يعكر صفو منظومته الأخلاقية، أو ينال من عاداته وتقاليده الراسخة عبر تاريخه المجيد، القائمة على الاحترام والسجايا الحميدة.
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات