يعرّفُ الدستور على أنه القانون الأسمى في الدولة، والذي يتمّ من خلاله تحديد أسسها، ونظام حكمها، وطبيعة السلطات، واختصاصاتها، والعلاقات فيما بينها، والحقوق والواجبات العامة لمواطنيها، والمقيمين على أرضها، فالدستور هو الذي يخلق النظام القانوني في الدولة، وكل قانون يصدر يجب ألا يخالف أحكام الدستور، بما أنه مصدر تلك القوانين من حيث وجودها وشرعيتها، كما أن الدستور يحدد اختصاص كل سلطة من السلطات العامة التي ينشِئها، لذلك تخضع هذه السلطات جميعها للدستور الذي أوجدها، وحدد اختصاصها وبين كيفية تكوينها.

وبطبيعة الحال فإن اللجوء إلى تعديل الدستور، غالبا ما يتوخى تحقيق جملة من الأهداف، كالبحث عن تحقيق الاستقرار في المجتمع، وإحداث توازن في العلاقات بين مختلف السلطات الدستورية، بما ينعكس إيجابا على الحياة الاجتماعية والمجتمعية والاقتصادية، والتعديل إجراء يفرض نفسه في بعض الأحيان لأن الدستور وإن كان قانونا ساميا، فهذا لا يعني انه خالد ثابت لا يتغير، بل إن المستجدات وتغيـر وتطور الظروف المحيطة بالمجتمع تقتضي تعديل الدستور من أجل تكييفه وملاءمته مع المستجدات والظروف.

اليوم يتوجه شعبنا برجاله ونسائه، وبشيبه وشبانه، إلى صناديق الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي دعا إليها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، يحفظه الله، ويأتي الاستفتاء على الدستور بعد صدور الدستور الدائم لدولة قطر قبل ما يقارب العشرين عاما، بهدف مواكبة التقدم والتطور الذي حققته الدولة في كافة المجالات، وطال السياسة والاقتصاد والرياضة والتنمية الاجتماعية والبنية التحية، ومن دون شك لا يزال لدينا المزيد من التطلعات لما نصبو إليه جميعا، ترجمة لتطلعات قيادتنا الرشيدة، وتحقيقا لـ«رؤية قطر 2023».

إن مشاركة الشعب اليوم في الاستفتاء على تعديلات الدستور تمثل لحظة تاريخية في عمر وطننا الغالي، وبدء مرحلة جديدة في مسيرة الوطن التنموية؛ لمواكبة التطور المتسارع وتحقيق طموحات القيادة في رخاء وازدهار الوطن والمواطن، فهذا التعديل في الدستور سوف يؤسس الأرضية الصلبة لوحدتنا الوطنية، التي هي حصننا المنيع، لحماية وطننا ومنجزاتنا، وحجر الأساس في مواصلة مسيرة الوطن نحو تحقيق الغايات المنشودة.

الجميع مدعو للمشاركة اليوم في الاستفتاء الذي يمثل لحظة استثنائية في رحلة وطننا العزيز واستكمال قصة نجاحاته المتواصلة في قطاعات مختلفة.. الجميع مطالب أن يكون على قدر المسؤولية التاريخية والذهاب للاستفتاء بقول نعم لهذه التعديلات التي ستساهم في تعزيز لحمتنا الوطنية، والمساواة في المواطنة على أساس الحقوق والواجبات.

دعوة سمو الأمير للشعب للاستفتاء على تعديلات الدستور هي في جوهرها دعوة للمشاركة الشعبية في صنع القرارات المصيرية التي تمس استقرار وأمن وطننا، ومواصلة مسيرة الإنجازات الهائلة التي نعيشها.

وهذه التعديلات الدستورية التي سنصوت عليها اليوم تقوم على استبدال نصوص «14» مادة، وإضافة مادتين، وإلغاء «3» مواد، وهي تتعلق بما كان قد أعلن عنه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في خطابه التاريخي بافتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى، منتصف أكتوبر الماضي، حول التعديلات الدستورية الهادفة إلى تحقيق المصلحة العليا للدولة، وتعزيز قيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع القطري، حيث وجه سموه- حفظه الله- بإحالة مشروع التعديلات الدستورية، بما فيها العودة إلى نظام تعيين أعضاء مجلس الشورى، إلى مجلس الشورى لاتخاذ اللازم بشأنها وفقاً لأحكام الدستور.

يوم «28» أكتوبر أقر مجلس الشورى بالإجماع مشروع التعديلات الدستورية، وذلك بعد استعراض تقرير اللجنة الخاصة بدراسة تعديل بعض مواد الدستور، وبعد مناقشات بناءة ومعمقة اتسمت بحرص أعضاء مجلس الشورى على تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبدأ العدل وسيادة القانون، وتحقيق المصلحة العليا للبلاد، وفق توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.

في اليوم التالي، «29» أكتوبر، أصدر صاحب السمو المرسوم رقم «87» لسنة «2024»، بدعوة كافة المواطنين، ممن أتموا سن الثامنة عشرة، للمشاركة في استفتاء عام على التعديلات الدستورية على الدستور الدائم لدولة قطر ونص المرسوم على أن يبدأ الاستفتاء اليوم من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة السابعة مساء، وأن تعلن نتيجة الاستفتاء خلال «24» ساعة من انتهائه.

اليوم سيقول شعبنا كلمته، وهو قالها بالفعل، فور صدور المرسوم رقم «87» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي نقلت صورة معبرة عن الدعم والتأييد لهذا التعديل، حيث أعرب الجميع عن تأييدهم لهذه التعديلات، لإدراكهم التام بأن الغايات النبيلة التي تهدف إليها تجعلنا أمام لحظات تاريخية في مسيرة التطور التي نعيشها، حيث تعكس التعديلات التزام قطر بتطبيق مبدأ العدل وسيادة القانون وتحقيق تطلعات المواطن القطري، الذي سيقول «نعم» كبيرة من أجل تعزيز اللحمة الوطنية وتوطيد أركان الدولة القائمة على العدل ومبدأ سيادة القانون.

مشاركتنا في استفتاء اليوم واجب وطني، ومسؤولية كبيرة للتعبير عن تأييدنا ودعمنا لتعديلات سوف تفتح آفاقا نحو التقدم والازدهار، ستذكرها الأجيال القادمة بفخر؛ إذ أن غاية التعديلات الحفاظ على وحدة الشعب وتعزيز المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.

لا يمكن لأي بلد دفع عجلة التقدم دون تطوير قوانينه وتشريعاته ودستوره، واليوم نحن أمام لحظة مفصلية تحتّم علينا المشاركة في رسم خريطة مستقبلنا المشرق، بإذن الله، لأن المشاركة تعني التالي:

ممارسة الحقوق

الاستفتاء في أحد وجوهه تطبيق لمبدأ المساواة بين المواطنين، حيث إنها من الحقوق الأساسية اللصيقة بالمواطن والمنظمة دستورياً، فمن خلالها تتحقق نظرية المشاركة الشعبية بأوضح صورها.

واجب وطني

لكل مواطن حــقوق وواجـــــبات، ومن واجبه المشـــاركة فــي الاستــــفتاء، فهـــو بذلك يؤدي وظـيفة اجتمـــاعية مهمة وضرورية لا يجب التقاعس عنها تحت أي ظرف من الظروف.

انتماء وهوية

تكمن أهمية المشاركة بالاستفتاء في شعور المواطن بمدى تأثير صوته وأهميته، واحترام الدولة له وتقديرها لرأيه، لذلك تأخذ المشاركة عدة أبعاد، تؤكد على الانتماء والهوية والتضامن بين الجميع، والمشاركة في الاستفتاء عدا عن كونها واجباً وطنياً واستحقاقاً دستورياً، فإنها أيضا تأكيد على الالتزام بنهج المشاركة الشعبية في صنع القرار، والذي توليه قيادتنا الرشيدة كل اهتمام.

إذا نحن اليوم أمام استفتاء تاريخي سوف تؤكد نتائجه، قياسا على ما رأيناه حتى الآن، الدعم الساحق للتعديلات الدستورية، الهادفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبدأ العدل وسيادة القانون، وتحقيق المصلحة العليا للبلاد، إذ أن الغاية من اقتراح هذه التعديلات الدستورية، كما أشار سمو الأمير المفدى، في خطابه أمام مجلس الشورى، هي الحفاظ على وحدة الشعب وتعزيز المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، كما ستسهم هذه التعديلات في مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات، ورسم خريطة طريق لمستقبل مشرق، يستند إلى أسس راسخة من العمل الجاد، والتخطيط السليم، والرؤية الاستراتيجية التي تحمل الأمل لكل مواطن قطري.

من هنا فإننا جميعا مدعون للقيام بواجبنا الوطني عبر مشاركة واسعة تعكس التفافنا حول قيادتنا الرشيدة، وتعكس خيارنا الأول المتمثل في تعزيز وحدتنا الوطنية التي هي فوق أي اعتبار، فهذا الاستفتاء سيجسد صورة أخرى من صور التلاحم الفريد لمجتمعنا، وهو إعلاء لمبادئ سيادة القانون وتعزيز المواطنة المتساوية، وإيمان راسخ بأهمية الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.

ختاما.. اليوم يدخل وطننا العزيز عهدا جديدا من تعزيز المشاركة الشعبية وصنع القرارات المصيرية في مسيرة التنمية الوطنية، نقول نعم لتعديل الدستور.. نعم لمستقبل قطر.. نعم لرخاء وتقدم المواطن، وستبقى وحدتنا مصدر قوتنا.. ودام عزك يا وطن.

محمد حجي - رئيس التحرير المسؤول