ما بكى أحد على شيء أكثر ما بكى على الشباب، مرحلته وزمانه، أيام الوسامة والصحة، والعافية والحيوية، وحسن الصورة و«الكشخة» والجمال والحسن، والاعتدال، وغيرها الكثير، ليس هنا موضع بسطها وشرحها، أكثرُ الشعراء العرب بكَوا مرحلة الشباب وشبابهم الضائع، وأن الشيب غزا رؤوسهم، وأوصالهم ومفاصلهم ودب دبيب النمل في مفارقهم، ومنهم السلف والخلف، الشاعر العباسي «أبو العتاهية» قال: «ألا ليت الشباب يعود يوماً، لأخبره بما فعل المشيب»، والشاعر البارودي قال «لَيْتَ الشَّبابَ لَنَا يَعُودُ بِطِيبِهِ، ومن السفاه طلاب عمر قد مضى
وَالشَّيْبُ أَكْمَلُ صاحِبٍ لَوْ أَنَّهُ يبقى، ولكن لا سبيل إلى البقا.
رغم أن الشيب نور، والله يستحي أن يحرقه بالنار -كما جاء في الأثر- إلا أن جل الناس لا يرغبونه لا الرجال ولا النساء، يقولون عنه «علة» لا يعاد منها، و«مصيبة» لا يعزى عليها، كقول أحد الشعراء «فظللت أطلب وصلها بتذلل، والشيب يغمزها بأن لا تفعلي» وقال آخر: «رأين الغواني - يعني الجميلات - الشيب لاح بمفرقي، فأعرضن عني بالخدود النواضر»، وقالت احداهن بعد أن رأت بعلها - زوجها - صبغ شعره وعارضه بالسواد، قالت أراك خضبت الشيب قلت لها، سترته عنك يا سمعي ويا بصري، فقهقهت - كع كع ههه - ثم قالت من تعجبها، تكاثر الغش حتى صار في الشعر، يقول لي أحد الأخوة إن زوجته يعجبها شيب رأسه، ودائماً تقول له عبارتها المشهورة «ليلك عسعس، وصبحك تنفس يا الغالي» وقال أحدهم يبكي شبابه «كبرت ودق الحيل مني وعقني، بنيّ وزالت عن فراشي العقائد»! ولو خضبت وصبغت شعرك للتخلص من الشيب سيرجع الشيب لا محاله «تسود أعلاها وتأبى أصولها، وليس إلى رد الشباب سبيل»، يقول أحد المهتمين والمتابعين لكل جديد في عالم الموضة والجمال، أصبح الآن الشيب صيحة من صيحات الموضة، وعلى الرغم من ذلك يسعى البعض للوقاية من الشيب المبكر خاصة النساء، ويصبن بحالة من العصبية والوسواس والنرفزة إذا تجرأ كائن من يكون وذكّرهن بالشيب أو حاول ذكر أعمارهن
الحقيقية، وللأمانة بين صاحبي أن هناك عدة أمور تُسرع من عملية الشيب، منها
الأطعمة، ولابد من التغذية السليمة، لأن الميلانين هو المسبب الرئيس لظهور الشعر الأبيض، لذلك ينصح بتناول الأطعمة التي تساعد على زيادة نسبة الميلانين بالجسم، مثل السلمون والحبوب والجزر والخضراوات، وفيتامين «د» لتجنب الشيب المبكر، مثل السلمون والسردين، التونة، المحار، صفار البيض، وتجنب الأطعمة الدسمة فهي تسبب
خللا في هرمونات الجسم وتغير لون الشعر، ولابد من الاهتمام بالتغذية السليمة، وعدم التعرض للمواد الكيماوية،، ومستحضرات تعطير الجو، والمبيدات الحشرية، ومستحضرات الشعر، مثل بعض أنواع الشامبو والصبغة وأنواع الصابون الكيميائي، دوام الحال من المحال، والشيب قادم قادم لا محالة، خضبت أو لونت، أو صبغت، وعليك أن تستقبله بخضوع لا بدموع، بورع لا بجزع ووجع، وتتكيف وتتصالح معه بالتي واللتيه، وتنشد وتردد يومياً من باب رفع لمعنوياتك، وتوازنك هذا البيت من الشعر الذي يقول:
«هذا المشيبُ برأسي لونُ عاطفتي، لأنني ببياض القلب خاضبه»
وعلى الخير والمحبة نلتقي

Marased3@hotmail.com